Thursday 28 April 2016

مصادر حديث علي قسيم الجنة والنار



السلام عليكم

اليوم سوف نلقي نظرة على حديث علي قسيم الجنة والنار من كتب اخواننا اهل السنة والجماعة

قال الخوارزمي في كتاب المناقب صفحة 40 يتحدث عن فضائل الامام علي عليه السلام : هو أمير المؤمنين ، ويعسوب الدين ، وغرة المهاجرين ، وصفوة الهاشميين ، وقاتل الكافرين والناكثين والقاسطين والمارقين ، والكرار غير الفرار ، فصال فقار كل ختار بذي الفقار ، صنو جعفر الطيار ، قسيم الجنة والنار ، مقعص الجيش الجرار ، لاطم وجوه اللجين والنضار بيد الإحتقار ، وأبو تراب ، مجدل الأتراب معفرين بالتراب ، رجل الكتيبة والكتاب والمحراب [ والحراب ] والطعان والضراب ، والحبر الحساب بلا حساب ، مطعم السغاب بحفان كالجواب ، راد المعضلات بالجواب الصواب ، مضيف النسور والذئاب بالبتار الماضي الذباب ، هازم الأحزاب ، وقاسم الأسلاب.

وذكر الخوارزمي في المناقب عن رسول الله (صل الله عليه واله) قال : يا علي : إنك قسيم النار ، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب.

ينابيع المودة للحنفي روى إبن السماك : إن أبابكر قال لعلي (عليه السلام) : سمعت رسول الله (صل الله عليه واله) : يقول : لا يجوز أحد على الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز.

قال النبي (صل الله عليه واله) : عليّ قسيم الجنة والنار .
مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري 3/127 - كنز العمال 5/30 - الجامع للسيوطي 1/374 - الترمذي - ابن المغازلي 80 .

قال النبي (صل الله عليه واله) : لا يجوز على الصراط أحد إلا ببراءة في ولاية عليّ (عليه السلام) .
ابن المغازلي 15 - الاستيعاب 2/457 .

جاء في كتاب كنز العمال الجزء الثالث عشر الصفحة 152 للمتقي الهندي عن الامام علي قال : أنا قسيم النار ، ( شاذان الفضيلي ) في رد الشمس.

وجاء في كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الجزء الثاني الصفحة 264 : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : أذا كان يوم القيامة قال الله تعالى لمحمد وعلي : أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما ، فيجلس علي على شفير جهنم فيقول لها : هذا لي وهذا لك ، وهو قوله : القيا في جهنم كل كفار عنيد.

وجاء في كتاب الكامل الجزء السادس لعبد الله بن عدي : عن عباية : سمعت علياً يقول : أنا قسيم النار.

وكذلك عن عباية بن ربعي قال : قال علي : إنا والله الذي لا إله غيره قسيم النار ، هذا لي وهذا لك.

وجاء في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر الجزء الثاني والاربعين : عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : أنه قال : أنا قسيم النار يوم القيامة أقول : خذي ذا وذري ذا.

وعن عباية بن ربيع قال : سمعت علياً (عليه السلام) يقول : أنا قسيم النار يوم القيامة أقول : هذا لي وهذا لك.

قال أبو معاوية : قلنا للأعمش : لا تحدث هذه الأحاديث قال : يسألوني فما أصنع ربما سهوت فإذا سألوني ، عن شئ من هذا وسهوت فذكروني قال : وكنا يوماً عنده فجاء رجل فسأله ، عن حديث قسيم النار ، قال : فتنحنحت قال : فقال الأعمش هؤلاء المرجئة لا يدعوني أحدث بفضائل علي (عليه السلام) أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم.

جاء في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الجزء الاول الصفحة 90 قال الامام علي عليه السلام : أنا قسيم النار ، وخازن الجنان ، وصاحب الحوض ، وصاحب الأعراف ، وليس منا أهل البيت إمام إلاّ وهو عارف بأهل ولايته ، وذلك لقول الله تعالى : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد.

واخرج القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودة الجزء الاول عده احاديث بهذا المضمون من كتب سنية اخرى فمثلا :

أخرج إبن المغازلى الشافعي : بسنده ، عن إبن مسعود قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : يا علي : إنك قسيم الجنة والنار ، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءك بغير حساب.

أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي المكى : بسنده ، عن نافع ، عن إبن عمر قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) لعلى : إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي بسرير من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره وكاد يخطف أبصار أهل الموقف ، فيأتى النداء من عند الله جل جلاله أين وصى محمد رسول الله ؟ فتقول : ها أنا ذا ، فينادي المنادى إدخل من أحبك الجنة وأدخل من عاداك في النار ، فأنت قسيم الجنة والنار. 

وعن أبي بصير ، عن الامام الباقر ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : كيف بك يا علي إذا وقفت على شفير جهنم وقد مد الصراط ، وقلت للناس : جوزوا وقلت لجهنم : هذا لي وهذا لك.

وفى المناقب : عن محمد بن حمران ، عن جعفر الصادق في تفسير : القيا في جهنم كل كفار عنيد ، قال : إذا كان يوم القيامة وقف محمد (صل الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) على الصراط وينادى مناد : يا محمد يا علي ألقيا في جهنم كل كفار بنبوتك يا محمد ، وعنيد بولايتك يا علي.

وعن جعفر الصادق ، عن آبائه ، عن علي (عليه السلام) ، عن النبي (صل الله عليه واله) قال : إذا جمع الناس في صعيد واحد كنت أنا وأنت يا علي يومئذ ، عن يمين العرش ، ثم يقول ربنا لي ولك ، ألقيا في جنهم من أبغضكما وكذبكما.

وفى المناقب : عن أبى الطفيل عامر بن واثلة ، وهو آخر من مات من الصحابة بالإتفاق ، عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : يا علي : أنت وصيي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الإمام وأبو الأئمة الإحدى عشر ، الذين هم المطهرون المعصومون ، ومنهم المهدى الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فويل لمبغضيهم ، يا علي لو أن رجلاً أحبك وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك ، وأنتم معى في الدرجات العلى ، وأنت قسيم الجنة والنار ، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار.

وفى الشفاء ، في باب المعجزات ، فيما إطلع عليه من الغيوب : إن علياً قسيم الجنة والنار يدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار ، ومما ينسب إلى الإمام الشافعي (عليه السلام) :على حبه جنة * قسيم النار والجنة.

أخرج موفق بن أحمد : عن الحسن البصري ، عن إبن مسعود قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبى طالب على الفردوس وهو جبل قد علا على الجنة وفوقه عرش رب العالمين ومن سفحه يتفجر أنهار الجنة ويتفرق في الجنان ، وعلي جالس على كرسى من نور يجري بين يديه التسنيم لا يجوز أحد الصراط إلاّ ومعه سند بولاية علي وولاية أهل بيته [ يشرف على الجنة ] فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار.

وفى المناقب : عن مقاتل بن سليمان ، عن جعفر الصادق ، عن آبائه ، عن علي بن أبى طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صل الله عليه واله) : يا علي : أنت منى بمنزلة شيت من آدم ، وبمزلة سام من نوح ، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم ، كما قال تعالى : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ، الآية ، وبمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة شمعون من عيسى ، وأنت وصيي ووارثي ، أنت أقدمهم سلماً ، وأكثر هم علماً ، وأوفرهم حلماً ، وأشجعهم قلباً ، وأسخاهم كفار ، وأنت إمام أمتي ، وقسيم الجنة والنار بمحبتك ، يعرف الأبرار من الفجار ويميز بين المؤمنين والمنافقين والكفار.

ان هذا الحديث الشريف هو ما يترتب عن الحديث المتواتر للنبي صل الله عليه واله عندما قال في وصيته بحجه الوداع : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من يبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله. راجع كتاب مجمع الزوائد للهيثمي وحكم المحدث ان رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وراجع كتاب مسند احمد بتحقيق احمد شاكر فقال عنه حديث اسناده صحيح. وغيرها الكثير من المصادر الاخرى التي لا يسعنا المجال لكي نذكرها.
بعض من روى رواية ان الامام علي عليه السلام هو قسيم الجنة والنارمن كتب اخواننا اهل السنة

المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 13 ) - رقم الصفحة : ( 152 ).
الحاكم الحسكاني - شواهد التنزيل - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 264 ).
عبدالله بن عدي - الكامل - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 41 / 339 / 340 ).
إبن عساكر - تاريح مدينة دمشق - الجزء : ( 42 ) - رقم الصفحة : ( 298 / 299 / 301 ).
الخوارزمي - المناقب - رقم الصفحة : ( 40 / 294 ).
القندوزي الحنفي - ينابيع المودة - الجزء : ( 1 / 2 / 3 ) - رقم الصفحة : ( 90 / 249 إلى 255 / 27 / 403 / 404 / 455 ).
إبن قتيبه - غريب الحديث - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 377 ).
إبن الأثير - النهاية في غريب الحديث - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 61 ).
- إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 2 / 9 / 19 ) - رقم الصفحة : ( 260 / 165 / 139 ).
يعقوب بن سفيان الفسوي - المعرفة والتاريخ - الجزء : ( 2 / 3 ) - رقم الصفحة : ( 764 / 192 ).
الدار قطني - العلل - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 273 ).
إبن المغازلي - المناقب - رقم الصفحة : ( 67 ).
الحموئي - فرائد السمطين - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 325 ).
الكنجي - كفاية الطالب - رقم الصفحة : ( 71 ).
الديلمي - فردوس الأخبار - الجزء : ( 3 ) - الصفحة : ( 90 ) - رقم الحديث : ( 3999 ).
القاضي عياض - الشفاء في أخبار النبي بالمغيبات.
السيوطي - جمع الجوامع - الجزء : ( 1 ) - حرف العين.
- المناوي - كنوز الحقائق - رقم الصفحة : ( 98 ) - طبعة بولاق - وصفحة : ( 92 ) - من طبعة بهامش الجامع الصغير.
الفتني - مجمع بحار الأنوار - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 144 ).
قبلة السرقسطي - الدلائل - الورقة ( 16 ).
الخطيب البغدادي - تاريخ مدينة دمشق - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 243 ) - رقم : ( 761 ).
الزمخشري - الفائق - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 195 ).
إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 7 ) - رقم الصفحة : ( 355 ).
- الخفاجي - نسيم الرياض - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 163 ).
- الزبيدي - تاج العروس - الجزء : ( 9 ) - الصفحة : ( 25 ).

Sunday 20 March 2016

أبو بكر لم يكن مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الغار



هذه هي محصلة ما يتناقله المسلمون في شأن قضية غار جبل ثور، وهي محطة لعبت فيها السياسة بألاعيبها، ونحن هنا سنبرهن إن شاء الله على بطلان كثير من تفاصيل هذه الرواية بناء على مصادر أهل السنة، كقضية كون أبي بكر مع النبي في الهجرة وفي الغار، وكقضية أن أسماء بنت أبي بكر هي التي كانت تغذي الرسول وتهيئ له الطعام وتوصله إليه، وكقضية أن الحمامة قد باضت والعنكبوت قد نسج خيوطه وما شاكل ذلك من أمور عارية عن الصحة، والتي شابت هذه الحادثة التاريخية العظيمة عن طريق الإسرائيليات.

1. أول ما يجب أن نعلمه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اعتمد أسلوب السرية التامة في أمر هجرته تلك الليلة، خاصة بعدما أمر بهجرة جميع المسلمين إلى المدينة، وأبقى علياً (عليه السلام) لأنه وصيه والقائم مقامه في تأدية حقوق وأمانات الناس المودعة عنده.
وكان لابد من اعتماد أسلوب السرية لأن كفار قريش كانوا يحيكون المؤامرات للحيلولة دون وصول النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب، حيث سيقود من هناك الدولة التي ستحطم ملكهم وسلطانهم وتقضي على جبروتهم.
لذا فإن أحداً لم يكن عالماً بخروج النبي في تلك الليلة سوى أهل بيته المقربين، علي وفاطمة (عليهما السلام)، وأم هانئ بنت أبي طالب (عليه السلام).
ومصادر أهل السنة متفقة على أن أبا بكر لم يكن عالماً بخروج النبي في تلك الليلة، بل فوجئ بمسألة الهجرة صباحاً فطلب منه أن يصحبه، فقبل النبي (صلى الله عليه وآله). [ تفسير القرطبي: ج 3 ص 21، تاريخ الطبري: ج 2 ص 102، البحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 118 ].
إن هذه السرية تتناقض مع الرواية المنقولة، والتي تقول بأن النبي قد خرج من بيت أبي بكر نهاراً وأمام مرأى من المسلمين كلهم! [ تاريخ الطبري: ج 2 ص 100 ].
فكيف يحرص النبي على إنجاح مشروع الهجرة وهو يعرض نفسه للقتل هكذا أمام الكفار، ويمشي أمامهم في النهار في طريقه إلى خارج مكة؟! وكيف يمكن ذلك وقد كان الكفار يطلبونه ويلاحقونه في أي مكان وقد كانوا ليلتها قد أحاطوا بداره متقلدين سيوفهم عزماً على قتله! إن هذا يعني الانتحار! وهذا يضع علامة استفهام كبيرة على مسألة توجه النبي إلى بيت أبي بكر وانطلاقه من هناك صباحاً.
لقد كان من حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على إنجاح الهجرة والتستر عن أعين المجرمين، أن طلب من المسلمين القليلين المتبقين في مكة عدم الهجرة في تلك الليلة التي سيهاجر فيها، مخفياً عنهم سبب طلبه. وكان من حرصه أن اختار وقت الهجرة ليلاً وفي نهاية شهر صفر لئلا يكون في السماء ضوء القمر فينكشف في الطرقات.
فبالنظر إلى هذه الحيطة والسرية الكاملتين؛ هل من المعقول أن يخرج النبي (صلى الله عليه وآله) صباحاً وأمام أعين المشركين؟! بالطبع لا.. لذا فما دامت الرواية تقول أنه قد خرج صباحاً من بيت أبي بكر فإنها تسقط تلقائياً.

2. إن الرواية تتقاطع مع روايات أخرى، قد تبدو مضحكة بعض الشيء، حيث يُذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من بيته متوجهاً مباشرة إلى غار ثور، وفي تلك الأثناء ذهب أبو بكر إلى بيته فلم يجده، فسأل علياً (عليه السلام) فأخبره الإمام بأن النبي في طريقه إلى خارج مكة، فانطلق أبو بكر ليلحق بالنبي وقد كان يحمل جرساً معه، فعندما أدركه ظن النبي أن أبا بكر من المشركين فأسرع في المشي حتى يبتعد عنه، ولكن الله جعل شسع نعله ينقطع فانطلق إبهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحجر وسالت منه الدماء، الأمر الذي أدى إلى توقف الرسول عن المسير اضطراراً، وعندئذ وصل أبو بكر إليه فاجتمع معاً وسارا خارج مكة! [ تاريخ الطبري: ج2 ص 102 ].
إن هذه الرواية توضح جانباً من الكذب والبهتان، فكيف يمكن أن يدخل أبو بكر بيت رسول الله والحال أن البيت محاصر من قبل المشركين في تلك الليلة العصيبة ولم يكن يسمح لأي أحد بالخروج أو الدخول؟! وكيف له أن يسأل علياً (عليه السلام) وهذا معناه كشف الخطة النبوية لأنه سيتبين لدى المشركين أن هذا النائم ليس محمداً بل علي؟!
ثم كيف استطاع أبو بكر أن يعرف الزقاق الذي مر فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! وكيف تمكن من تشخيص ورؤية النبي في ذلك الليل الدامس؟!
أما قضية فلق الإبهام وانقطاع شسع النعل فربما نحن لسنا بحاجة إلى الردّ عليها! فليس مجرد دم يسير خارج من إبهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجاعلٍ إياه يتوقف عن إكمال مسيرته تجاه المدينة وتهديد مشروع الإسلام كله للخطر كون أحد المشركين يتعقبه.. لقد أُدمي النبي من رأسه إلى أخمص قدميه في رحلته لدعوة أهل الطائف إلى الإسلام عندما رموه (لعنهم الله) بالأحجار، ولكنه لم يتوقف عن أداء مهمته تلك، فكيف يتخلى عن أداء أعظم المهمات بهذه السهولة؟!
إن هذه من الأراجيف الواضحة التي تحاول أن تصور أن لأبي بكر منزلة كبيرة عند السماء حتى يجبر الله نبيه على التوقف بإيذائه وإسالة الدم منه!
إن هذا التناقض يثير علامة استفهام أخرى، فهل ذهب النبي إلى بيت أبي بكر ومن هناك اصطحبه معه، أم توجه مباشرة إلى خارج مكة وفي الطريق أدركه أبو بكر؟! أيهما نأخذ؟!
.. إذا تعارضتا تساقطتا.

3. هناك شيء غريب في الرواية المزعومة، إذ تذكر أن أسماء بنت أبي بكر كانت موجودة في بيت أبيها عندما وصل النبي (صلى الله عليه وآله) إليه، وأنه استراح فيه قليلاً ثم أخذ أبا بكر معه، ومن بعد ذلك كانت أسماء تأخذ إليهما الطعام في الغار...
الغرابة هي في: كيف يمكن أن تكون أسماء في مكانين يبعد كل منهما عن الآخر آلاف آلاف الأميال في الوقت نفسه؟!
إن التاريخ يقول أن أسماء بنت أبي بكر كانت في تلك الفترة مع زوجها الزبير بن العوام في الحبشة!! [الثقات لابن حبان: ج 3 ص 23].
إن هذا يدلل على أن (صناعة حكومية) وراء قصة صحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الهجرة المباركة.

4. هناك سؤال منطقي آخر هو: كيف يتوجه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت أبي بكر الذي كان يحوي المشركين؟! ألا يفترض به أن لا يتوجه إلى ذلك البيت بالذات حتى لا يكشفه أحد من هؤلاء المشركين؟!
إن بيت أبي بكر كان يضم كلاً من: ابنيه عبد العزى وعبد الله، وابنته عائشة، وأمهم أم رومان (نملة بنت عبد العزى) بالإضافة إلى أبيه أبي قحافة.
وتنص الروايات على أن عبد العزى بن أبي بكر كان: (كافراً عنيداً محارباً للإسلام)! [ تاريخ ابن عساكر: ج 13 ص 280 ].
وكذلك تنص على أن أم رومان كانت كافرة، وقد طلقها أبو بكر بعد هجرته إلى المدينة عند نزول آية: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر..)! وكذلك تنص على أن أبا قحافة - والد أبي بكر - كان كافراً أيضاً! [شرح النهج: ج 13 ص 268].
فهل يعقل أن يتوجه النبي إلى هذا البيت في هذه الليلة الخطيرة التي خططت فيها قريش لقتله ووأد حركة الهجرة؟! هل يعقل أن يلجأ النبي إلى الذين يحاربونه ويرصدونه؟! هل يعقل أن يتكلم في ذلك البيت عن الهجرة ويأخذ أبا بكر معه ولا يفترض أن أهله المشركين الموجودين في ذلك البيت سوف يكشفون الموضوع لرؤوس الكفر في قريش؟!
إن هذا يدلل على أن النبي لا يمكن أن يكون قد ذهب إلى بيت أبي بكر إطلاقاً. خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر كان من جملة الذين جندتهم قريش لملاحقة النبي (صلى الله عليه وآله).

5. لقد أجمعت الروايات على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد توجه من بيته إلى الغار وحيداً فريداً، وهذا أصل وجوهر الحادثة.[ مسند أحمد: ج 1 ص 331، المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135].
والروايات الملفقة تقول بأن أبا بكر صحب النبي (صلى الله عليه وآله) في طريقه إلى الغار، ولكن ذلك يتناقض بشكل صارخ مع حقائق تاريخية ثابتة.
فعندما أخذ المشركون معهم دليلهم كرزبن علقمة الخزاعي لتتبع مسير رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقبض عليه، رأى كرز آثار قدمي النبي فقال: (هذه قدم محمد المشابهة للقدم التي في المقام) ويقصد بها قدم إبراهيم الخليل (عليه السلام) في مقامه قرب الكعبة. [الإصابة: ج 5 ص 436، من له رواية في مسند أحمد لمحمد بن علي بن حمزة: ص 360، فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 64].
ومادام كرز لم يذكر مشاهدته لآثار قدمي أبي بكر، فإن الإشكال على صحبته للنبي في هجرته يتعاظم ويكبر.
والمثير أن عبد العزى بن أبي بكر كان من بين مجموعة المشركين الذين كانوا يلاحقون النبي (صلى الله عليه وآله) [طالع ترجمة عبد الرحمن عبد العزى بن أبي بكر في تاريخ ابن عساكر وأسد الغابة].
وذلك يعني أن عبد العزى الذي هو ابن أبي بكر نفسه، لم يتعرف على قدم أبيه، كما لم يتعرف عليها الدليل كرز الخزاعي. وهذا مما يزيد من الإشكال ويدلل على أن أبا بكر لم يصحب النبي أصلاً في تلك الرحلة.

6. إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يُؤْثر عنه أي قول أو نص يثبت فيه وجود أبي بكر معه في الغار، ولو كان كذلك لحصل أبو بكر على منقبة عظيمة يستحق بها المديح والإطراء النبوي بينما لم نلحظ ذلك. أي لم نسمع بحديث يقول فيه النبي عن أبي بكر: (هو صاحبي في الغار) مثلاً بل على العكس من ذلك سمعنا النبي (صلى الله عليه وآله) يذمه في كثير من المواطن، فعندما تقدم أبو بكر للزواج من فاطمة (عليها السلام) رفضه، وعندما تقدم عمر رفضه أيضاً، ولكن عندما تقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) وافق النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: (أنت لست بدجال) في تعريض واضح منه (صلى الله عليه وآله) بأبي بكر وعمر. [مجمع الزوائد: ج 9 ص 204، طبقات ابن سعد: ج 8 ص 12، الإصابة: ج 1 ص 374].
ولو كان أبو بكر حاضراً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار، وقد نزلت فيه تلك الآية، لما عرض به النبي (صلى الله عليه وآله).
يضاف إلى ذلك أن معظم الروايات المنقولة عن صحبة أبي بكر للنبي في الغار، منقولة على لسان عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر، وهؤلاء مشكوك في روايتهم لأنهم من المحسوبين على أبي بكر نفسه.
في المقابل لم نجد أحداً من معارضي أبي بكر، كسعد بن عبادة والزبير بن العوام والحباب بن المنذر ومالك بن نويرة وغيرهم من الصحابة، يُقـرّ بحضوره الغار، إذ لو كانوا يقرون بذلك لما عارضوا حكمه وتمردوا عليه ورفضوا مبايعته بدعوى أنه (أبو فصيل) أي الذي لا فضائل له أو لقومه.

7. جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير الأموي عن ابن جرير الطبري ما يؤيد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى غار ثور وحده، فخاف ابن كثير من هذه الرواية الصحيحة الدالة على بطلان صحبة أبي بكر فارتجف قائلاً: (وهذا غريب جداً وخلاف المشهور من أنهما خرجا معاً)! [البداية والنهاية: ج3 ص 219، السيرة النبوية لابن كثير أيضاً: ج 2 ص 236].

8. أجمعت الروايات على أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج وحيداً إلى الغار، وهناك سأل الله تعالى أن يبعث إليه من يدلّه على الطريق، فكان أن التقى النبي بالدليل عبد الله بن أريقط بن بكر حيث تذكر الروايات أن النبي قال له: (يا ابن أريقط.. أأتمنك على دمي؟ فقال ابن بكر: إذا والله أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك. فأين تريد يا محمد؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يثرب. قال ابن بكر: لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي فيها أحد). [المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135].
فما دام هذا هو الثابت، أي أن النبي خرج مع ابن بكر - وليس أبا بكر - من الغار متوجهاً إلى يثرب (المدينة المنورة)، ومادامت جميع الروايات تذكر أن أهل المدينة وكذلك الذين يسكنون ما بين المدينة ومكة، لم يشاهدوا سوى شخصين اثنين فقط [الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1 ص 230 ،سيرة ابن هاشم: ج 2 ص 100، عيون الأثر: ج 1 ص 248].
فإن ذلك يعني أن أبا بكر لم يكن مع النبي (صلى الله عليه وآله) في هجرته، لأن ذلك يتطلب أن يرى الناس ثلاثة أشخاص وليس شخصين فقط.
وكما ذكرنا فإن الثابت هو خروج النبي مع دليله ابن بكر، لأنه بدونه لا يستطيع الاهتداء في طريقه إلى يثرب، فهو الخبير بالطرقات والمسالك.

9. الروايات المختلقة التي تقول أن أبا بكر قد خرج مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الغار، تذكر أيضاً أن أسماء بنت أبي بكر تزودهما بالطعام طوال فترة مكوثهما في الغار والبالغة ثلاثة أيام.
إن هذا أمر يتناقض مع العقل والمنطق، لأنه لو كان أبو بكر مهاجراً مع النبي فعلاً لكان من أيسر اليسير على مشركي قريش أن يتعقبوا ابنته التي تخرج كل يوم، ويتتبعوا خطواتها حتى يتوصلوا إلى مكان النبي (صلى الله عليه وآله). خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر وهو أخ أسماء ويسكن معها في البيت نفسه، كان من الذين يلاحقون النبي (صلى الله عليه وآله)، فكان سهلاً عليه ملاحظة أخته وهي خارجة كل يوم حاملة معها الطعام والزاد.
على أننا أثبتنا سابقاً أن أسماء لم تكن في مكة أصلاً، إذ كانت مع زوجها الزبير في الحبشة، ضمن مجموعة المسلمين الذين لجؤوا إلى هناك.
وهذا التخبط والتضارب يسقط أكذوبة وجود أبي بكر مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، وينفي هجرته معه، بل يؤكد أنه قد هاجر مع بقية المسلمين في المجموعة الأولى المتوجهة إلى المدينة. خاصة إذا ما أدركنا أن أبا بكر كان ملازماً دائماً لعمر بن الخطاب في حلّه وترحاله، وقد ثبت في السير أن ابن الخطاب قد هاجر إلى المدينة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) إليها.

10. جاء في أصح كتب أهل العامة ما يثبت حقيقة أنه لم تنزل آية واحدة في القرآن تمدح أبا بكر أو أهله، فقد ورد عن عائشة في صحيح البخاري قولها: (لم ينزل فينا قرآن)! [صحيح البخاري: ج 6 ص 42، تاريخ ابن الأثير: ج 3 ص 199، الأغاني: ج 16 ص 90، البداية والنهاية: ج 8 ص 96 وغيرها كثير].
وهنا فلنركز قليلاً: لقد ذكرت عائشة هذا أمام جميع الصحابة والمسلمين الأوائل، وقالت: لم ينزل فينا قرآن. ولو كانت آية: (ثاني اثنين..) نازلة في أبي بكر لما قالت هذا الكلام لأنها تنتقص بذلك أباها وتجرده من مزية واضحة في القرآن. أو على الأقل لرد عليها الصحابة الذين يفترض أنهم متيقنون من حضور أبي بكر في الغار، ولذكروها بالآية وبقضية هجرته مع النبي (صلى الله عليه وآله).
لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وهو ما يثبت زيف أحاديث حضور أبي بكر في الغار، حتى تلك المسندة إلى عائشة منها. وهذا يوضح أن مسألة حضوره في الغار هي مسألة طارئة ولم تكن معروفة في صدر الإسلام.
خاصة أننا إذا تتبعنا التاريخ فإننا لن نجد إشارات واضحة على لسان أبي بكر حول حضوره في الغار، وهجرته مع النبي (صلى الله عليه وآله). مما يدعم كون القضية من اختلاقات السلطة لإثبات مزية لأبي بكر.

11. كان يحيى بن معين من المشككين برواية حضور أبي بكر في الغار الواردة عن طريق أنس بن مالك. فكانت الشكوك تحوم حول ذلك الحديث بصور متعددة. (سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 10 ص 362، تهذيب الكمال للمزي: ص 29].
وقد ذكر حديث الغار العباس بن الفضل الأزرق عن ثابت عن أنس، فقال فيه يحيى بن معين: (كذاب خبيث)! [تاريخ بغداد: ج 12 ص 133].
وإذا نظرنا إلى رواة حديث الغار، نجدهم بين كذاب ومدلس وضعيف، فقد كان سليمان بن حرب يضعف حديث الغار الذي ذكره خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن أيوب بن نافع عن ابن عمر. [سؤالات الآجري لأبي داود سليمان بن الأشعث: ج 1 ص 399].
ولقد ازدادت الطعون في رواة الحديث المكذوب في حضور أبي بكر في الغار. [طالع تاريخ بغداد: ج 8 ص 302، تهذيب الكمال للمزي: ج 1 ص 314، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 1 ص 27، تاريخ دمشق: ج 5 ص 235، سير أعلام النبلاء: ج 12 ص 232، ميزان الاعتدال للذهبي: ج 1 ص 73 وغيرها).

12. إن الذي كان حاضراً مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، ليس سوى دليله ابن بكر، الذي التقى به النبي (صلى الله عليه وآله) في اليوم الأول من هجرته ومكوثه في الغار، فطلب منه مساعدته، واستجاب الرجل للأمر النبوي.
وقد ذكرت مصادر العامة أن ابن بكر كان مشركاً في ذلك الوقت! وهنا نضع علامة استفهام كبيرة، إذ لو كان ابن بكر مشركاً حقاً فما الداعي لأن يساعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
إن هذا يكشف جزءاً من الحكمة النبوية، فلقد كان ابن بكر يمارس التقية، وكان يخفي إسلامه حتى يقوم بهذه المهمة العظيمة في حفظ رسول الإنسانية وإيصاله سالماً إلى المدينة. لقد كان ابن بكر معروفاً في أوساط كفار قريش بالكفر، وكان يتظاهر بعبادة الأوثان، حتى لا يشكوا فيه، خاصة أنه كان من أشهر الأدلاء على الطرق.
إنه لم يرد في التاريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) منح مكافأة لابن بكر، أو أنه كانت لديه مصلحة معينة معه، حتى نقول مثلاً أنه قد ساعد النبي في الهجرة لغرض دنيوي. فلابد لنا والحال هذه أن نقول بأن ابن بكر كان رجلاً مسلماً صالحاً قام بدوره بدافع من عقيدته.
والذي يؤيد ذلك أنه مادام غائباً عن أذهان مشركي قريش أن ابن بكر مسلم ومن أتباع محمد (صلى الله عليه وآله)؛ فإنه لا يكون مراقباً من قبلهم، وبذا يمكنه أن يوصل الطعام والأخبار إلى النبي في الغار طوال فترة مكوثه فيه، والبالغة ثلاثة أيام حتى يهدأ ويسكن الطلب عليه. ثم يتوجه به إلى المدينة.
والواضح أن ابن بكر في إحدى زياراته للنبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، تفاجأ بمجيء مشركي قريش ووصولهم إلى الغار عن طريق الاستدلال على آثار قدمي النبي (صلى الله عليه وآله). وهنا حزن ابن بكر وخاف، فلجأ إلى الغار وطمأنه النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم انصرف المشركون بالإعجاز الإلهي ونزلت الآية.

13. الظاهر أن الماكرين قد قاموا بتصحيف وتزوير كبيرين، ليوافق اسم (أبي بكر) اسم (ابن بكر). فقد غيّروا اسم أبي بكر الحقيقي (عتيق) وجعلوه (عبد الله) ليوافق اسم (عبد الله) بن أريقط بن بكر. [مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 13 ص 35].
وبهذا بقي التغيير بين (ابن بكر) و(أبي بكر) وهو سهل وبسيط، لأن الكتابة في السابق لم تكن منقوطة، لذا فإن اسم أبي بكر وكذلك ابن بكر يكتبان بالطريقة نفسها.
ولهذا نظائر في التاريخ، فقد قام العباسيون بتصحيف اسم عباس بن نضلة الأنصاري، الصحابي الذي استشهد في معركة أحد، ليسرقوا فضائله ويلصقوها بالعباس بن عبد المطلب.

14. إن الروايات التي تذكر هجرة أبي بكر مع خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) هي روايات إسرائيلية، لأنها تشتمل على بعض التفاصيل الواضح اتصالها باليهود وتراثهم.
من تلك القضايا، أن حمامة قد جاءت وباضت بيضة أمام الغار، وأن عنكبوتاً قد جاء ونسج خيوطه على فتحة الغار، الأمر الذي جعل المشركين يتوهمون عدم وجود أحد فيه.
وهذا الأمر مناقض للعقل وللصحيح من الروايات، لأن غار ثور - كما شاهدناه - هو غار صغير لا تتعدى مساحته مترين مربعين فقط، فمن غير الممكن أن يحجب أي شيء الرؤية إلى داخله، فلو وقف أي شخص أمام فتحة الغار لشاهد كل ما فيه بشكل واضح جداً، لأنه غار صغير، ويضاف إلى ذلك أن هناك فتحة أخرى جانبية في الغار، الأمر الذي يجعل الضوء ينفذ ويضيء الغار بأكمله مما يسهل الرؤية. لذا فلا معنى لخيوط عنكبوت ولبيضة حمامة، فالرؤية واضحة تماماً.
والحقيقة أنهم قد جاؤوا برواية العنكبوت من سيرة النبي داود (عليه السلام) في كتب اليهود، حيث نسج العنكبوت خيوطه على غار داود (عليه السلام) عندما لاحقه جالوت بغرض قتله. [تفسير القرطبي: ج13 ص 346].
والصحيح أن المشركين عندما وصلوا إلى الغار عُميت أبصارهم ولم يتمكنوا من مشاهدة أي أحد داخل الغار، كما حصل عندما مر النبي (صلى الله عليه وآله) أمام أعينهم في خروجه من بيته في مكة المكرمة.
قال أبو الطفيل عامر بن واثلة عن أبيه: (كنت أطلب النبي فيمن يطلبه وهو في الغار، فنظرت فيه فلم أرَ أحداً). ونظر القرشيون في الغار أيضاً فلم يشاهدوا أحداً. [الإصابة: ج 7 ص 194].
إن هذا يؤكد أن المشركين قد عُميت أبصارهم عن مشاهدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك صاحبه ودليله عبد الله بن بكر.

15. نجد في التاريخ أن أعاظم أصحاب الأئمة (صلوات الله عليهم) قد اتهموا بعدم اعتقادهم بوجود آية (ثاني اثنين إذ هما في الغار...) ضمن القرآن لأنهم لا يعتقدون بنزول آية واحدة في حق أبي بكر!
قال ابن حجر نقلاً عن الحافظ: (أخبرني النظام وبشر بن خالد قالا: قلنا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: ويحك! أما استحييت لما قلت: إن الله لم يقل قط في القرآن: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)؟!
قال: فضحك طويلاً حتى خجلنا نحن وكنا نحن الذين قلنا ذلك). [لسان الميزان لابن حجر: ج 5 ص 108].
إن مؤمن الطاق من أعظم تلاميذ الإمام الصادق (عليه السلام) ولا يمكن أن يخرج عن اعتقاده، والواضح أن اتهامه بهذا الاتهام الخطير مرده إلى عدم اعتقاده بنزول أية آية في شأن أبي بكر، مما يعني أن آية (ثاني اثنين...) عنده نزلت في رجل آخر، وهو ابن بكر. ولذا وجدنا خصومه يشنعون عليه عندما رأوه ينفي نزول قرآن في حق أبي بكر.
والتهمة نفسها اتُّهِم بها هشام بن الحكم، الذي كان يقول بعدم نزول قرآن في شأن أبي بكر، وبذلك رموه بنقص القرآن لأنهم ربطوا آية الغار بأبي بكر غصباً! فيكون عندهم الذي لا يعتقد بنزول آيات في أبي بكر كمن يعتقد بنقص القرآن!

16. كان العلماء والمثقفون والحكام من التابعين المنتشرين في شرق الأرض ومغربها عارفين بعدم صحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله) في الغار والهجرة،ومن هؤلاء محمد بن المهدي مؤسس الدولة الفاطمية الذي كان يكذب حضور أبي بكر في الغار وهجرته مع الرسول (صلى الله عليه وآله). [سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 12 ص 133].
ومحمد بن المهدي من العلماء الأشراف المنحدرين من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد هاجر من الكوفة إلى شمال أفريقيا حيث مكنه الله تعالى من تأسيس أقوى دولة إسلامية في أفريقيا ثم ازدادت عظمة بعد سيطرتها على شبه جزيرة العرب والشام ومصر متخذة من القاهرة عاصمة لها.
إن مما هو بيّنٌ أن قصة هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي بكر وحضوره وإياه في الغار هي من اختلاقات الأنظمة الحاكمة، ولقد شرحنا في كتابنا الذي سيصدر قريباً إن شاء الله تعالى كيفية ترسيخ الحكومات تاريخياً لهذه القصة في أذهان الناس، فقد قامت السلطة بحرق جميع الأحاديث الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لطمس كثير من الحقائق ومن بينها حقيقة أن الذي هاجر مع النبي هو دليله ابن بكر، وليس أبا بكر.
وما دام ذلك قد حصل فإنه يسهل الترويج لأية أكذوبة لأنه ما من مصدر يرجع إليه المسلمون للتأكد من صحة هذا الحديث. وقد استمرت سياسة التعتيم على الأحاديث النبوية حتى أيام عمر بن عبد العزيز الأموي، أي بعد عشرات السنين من حادثة الإحراق والمنع من تدوين السنة النبوية الشريفة.
ومثلما اختلق الأمويون رواية أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنتان قد زوجهما من عثمان بن عفان، مستفيدين من كونهما من ربيبات خديجة أم المؤمنين (عليها السلام)،كذلك فقد عمد رجال السقيفة ومن تبعهم من الأمويين إلى تزوير حادثة الغار وإلصاق أبي بكر بها زوراً، مستفيدين من شخصية ابن بكر الذي هاجر مع النبي فعلاً. كما قام العباسيون بالاستفادة من شخصية العباس بن نضلة الأنصاري وسرقة فضائله لجدهم العباس بن عبد المطلب.


والحمد لله رب العالمين

Thursday 17 March 2016

الجمع بين الصلاتين عند الشيعة الإمامية



لقد أطبق فقهاء الشيعة الإمامية على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر اختيارا وإن كان التفريق أفضل وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام.
فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت صلاتي الظهر والعصر إلاّ أنّ صلاة الظهر يُؤتى بها قبل العصر، وعلى ذلك فالوقت بين الظهر والغروب وقت مشترك بين الصلاتين، غير انّه يختص مقدار أربع ركعات من الزوال بالظهر ومقدار أربع ركعات من الآخر للعصر وما بينهما وقت مشترك. وإذا غربت الشمس دخل وقت صلاتي المغرب والعشاء إلى نصف الليل، ويختص المغرب بأوّله بمقدار أدائه والعشاء بآخره كذلك وما بينهما وقت مشترك.
ومع ذلك فلكلّ من الصلاتين وقت فضيلةفوقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ ظل الشاخص الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثله، ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين عند المشهور. ووقت فضيلة صلاة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق وهي الحمرة المغربية، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل.

يقول السيد اليزدي في العروة الوثقى ج2 ص248 - 251: "فصل في أوقات اليومية ونوافلها: وقت الظهرين ما بين الزوال والمغرب ويختص الظهر بأوله بمقدار أدائها بحسب حاله، ويختص العصر بآخره كذلك . وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب والعشاء ، ويختص المغرب بأوله بمقدار أدائه ، والعشاء بآخره كذلك...
ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظل الحادث بعد  الانعدام، أو بعد الانتهاء مثل الشاخص. ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور ولكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما. ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، أي الحمرة المغربية. ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل، فيكون لها وقت إجزاء قبل ذهاب الشفق، وبعد الثلث إلى النصف. ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق."

الجمع بين الصلاتين في الكتاب والسنة
1- القرآن الكريم
1- قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾
قال الفخر الرازي : "فإن فسّرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب، و على هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات، وقت الزوال ووقت الغروب ووقت الفجر، و هذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وإن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضا بين الصلاتين المغرب والعشاء فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً ".
وهذا هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ثم رد الفخر الرازي على القرآن وعلى أهل البيت عليهم السلام فقال: " إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز" فتأمل!!. تفسير الرازي ج21 ص27

وقال البغوي في تفسيره: "وقال ابن عباس وابن عمر وجابر هو زوال الشمس وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين ومعنى اللفظ بجمعهما لأن أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء وقرآن الفجر هو صلاة الصبح." تفسير البغوي ج 3 - ص 128
وقال الثعلبي في تفسيره: "وعلى هذا التأويل يكون الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها، فدلوك الشمس صلاة الظهر والعصر ، وغسق الليل صلاتا العشاء، وتصديق هذا التفسير إن جبرئيل عليه السلام حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفيت الصلاة إنما بدأ بصلاة الظهر". تفسير الثعلبي ج 6 - ص 121
وأخرج أبو بكر أحمد بن عبد الله الكندي في موسوعته الفقهية عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في تفسير ﴿أَقم الصَّلاَةَ لدلوك الشَّمْس﴾ : دلوك الشمس: زوالها، يعني صلاة الظهر والعصر. و غسق الليل: يعني ظلمة الليل، أي صلاة المغرب والعشاء. و قران الفجر: يعني صلاة الغداة، وهي صلاة الصبح. وقال : الجمع في الحضر كالإفراد في السفر" المصنف : ج5 ص325

2- قوله تعالى ﴿وَأَقم الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَار وَزلَفًا مّنَ اللَّيْل إنَّ الْحَسَنَات يذْهبْنَ السَّـيّئَات﴾ هود:114
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "لم يختلف أحد من أهل التأويل في ان الصلاة في هذه الاية يراد بها الصلوات المفروضة... قوله تعالى "طَرَفَي النَّهَار" قال مجاهد: الطرف الاول صلاة الصبح، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر، واختاره ابن عطية... وقيل: الطرفان الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء..." الجامع لأحكام القرآن : 9 / 109

وقال ابن كثير في تفسيره: "قال مجاهد: هي الصبح في أول النهار، والظهر والعصر مرة أخرى... وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه: وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما زلفا الليل، المغرب والعشاء. وكذا قال مجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والضحاك: إنها صلاة المغرب والعشاء" تفسير ابن كثير: 2 / 478
 

2- الجمع بين الصلاتين في السنة
نكتفي في هذا المجمل من بين مصادر السنة بذكر ما رواه مسلم في صحيحه ج2 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر:
1. حدّثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلّى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.
2. وحدّثنا أحمد بن يونس وعون بن سلام جميعاًعن زهير، قال ابن يونس: حدّثنا زهير ،حدّثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلّى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته.
3. وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية; وحدّثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج ـ واللفظ لأبي كريب ـ قالا: حدّثنا وكيع كلاهما عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر «في حديث وكيع»قال: قلت لابن عباس: لِمَ فعل ذلك؟ قال: كي لا يُحرج أُمّته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أُمّته.
4. وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: صلّيت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانياً ًجميعاً وسبعاً جميعاً، قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخّر الظهر وعجّل العصر وأخّر المغرب وعجّل العشاء، قال: وأنا أظن ذاك.
5. حدّثنا أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
6. وحدّثني أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حماد، عن الزبير بن الخريت، عن عبد اللّه بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلّمني بالسنّة لا أُمَّ لك، ثمّ قال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال عبد اللّه بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شي فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.
7. وحدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا وكيع، حدّثنا عمران بن حدير، عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي قال: قال رجل لابن عباس:الصلاة ، فسكت; ثمّ قال: الصلاة، فسكت; ثمّ قال: الصلاة، فسكت، ثمّ قال: لا أُمّ لك أتعلّمنا بالصلاة وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)

Sunday 6 March 2016

سبعة فقط تليها عشرات البراهين تثبت كذب ابي بكر في استيلاءه على ميراث النبي بالباطل



بسم الله الرحمن الرحيم 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
اللهم صل على محمد وآل محمد قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا 
هناك عشرات الادلة والبراهين على هذا الموضوع ولا يمنعنا من تسطيرها الا كثرتها ولا تتسع المناقشة الا على القليل منها شيئا فشيئا 
قال ابي بكر في حديث يروية وحده 
صحيح البخاري - كتاب فرض الخمس
حديث : ‏2926
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته ، أن فاطمة - عليها السلام - ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقسم لها ميراثها ، مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، وفدك ، وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركا شيئا ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي ، وعباس ، وأما خيبر ، وفدك ، فأمسكها عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم ، قال أبو عبد الله : " اعتراك افتعلت من عروته ، فأصبته ومنه يعروه واعتراني " *



1- انه مناقض لما في القران من سنة الانبياء في كثير من الايات مثل (وورث سليمان داوود ) (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وبما ان قول النبي هو تعبير لما في القران فقول ابي بكر كذب وافك باطل 
2- لم يعلم انه صلى الله عليه وآله قال لأهل البيت ليس لكم حق في ارث مالي فهو صدقة ومثل هذا الامر يجب ان يعلن الى العلن ليعلم الناس بذلك ويشهدوا خاصة انها للناس ولكي لاتسول نفس الوارث له امرا او ان يغير الوصية وخاصة هي متعلقة بالمال وشخصية مهمة مثل نبي الله محمد (ص) وبما ان النبي لم يفعل ذلك اذ فأبي بكر كان يكذب على النبي من اجل اخذ مال الزهراء وارثها الكبير جدا . 
3- اهل البيت فاطمة وعلي المطهرون من الاثام والكذب بنص القران ، كذبا ابا بكر ولم يصدقاه في ادعاءه وطالبا بميراث النبي الذي استولى عليه واستمرت المطالبة بعد هلاك ابن ابي قحافة اذا فقد كذب ابي بكر على رسول الله واخذا حق اهل البيت ومالهم وارضهم بالباطل .
4- مسألة المال والميراث مسألة مهمة اولاها الله ورسوله من الاهتمام والتفصيل في القران والسنة ما ليس لغيرها ومن غير المعقول ان يقول النبي ذاك لأبي بكر وحده وهو ليس من اهل البيت ولا من بني هاشم حتى ويترك اصحاب الشأن فيه فهذا تقصير سيخلق تنازع واختلاف . واذن فلا يمكن للنبي وهو المعصوم ان يخالف القران ويخطئ .
5- ان لأبي بكر مصلحة في حرمان اهل البيت من مال النبي وميراثه فهو مال كثير سهمه من خيبر الخمس وماله في المدينة وفدك التي هي شبه المدينة بنخيلها وثمارها ومصلحته هي قطع الطريق على علي في ان يستخدم هذا المال لجمع انصار لمواجه سلطانه او ان تميل اناس اليه بما يعطيهم من ماله 
6- ان النبوة رحمة وخصيصة اصطفاء وليست لعنة تحرم اولاد الانبياء من الميراث ابيهم فليس هناك من ضرورة لمخالفة العرف الانساني والشرعي في ذلك اذا فقد كذب ابي بكر على رسول الله واخذا حقا ليس له. 
7- ان هذا الحديث انفرد بروايته ابي بكر وحده وعرف عنه وحده فلم يسمعه غيره من رسول الله ولأن لبن ابي قحافة مصلحة في اخذ مال الرسول فالانسان يحب المال وخاصة هو امام دولة لايعرف ان يديرها بغير وجود ورؤيته وبيت المال كان فارغا او شبه فارغ ويعضد قولنا بحبه للمال هو استباحة دماء المسلمين واعلن عليهم الردة لأنهم منعوا عنه مالهم وزكاتهم فقتلهم وشردهم وسبى ذراريهم واخذ اموالهم واراضيهم بغير وجه حق اذ ان مانع الزكاة غير مرتد ولا يقتل بسبب منعها . اذا فأبي بكر كذب على رسول الله واخذ مال اهل بيته من دون وجه حق
والحمد لله رب العالمين 

منقول عن موقع منتديات ياحسين

Friday 4 March 2016

البرهان من القران والسنة على جواز المتعة



لاشك ولا ريب في تشريع زواج المتعة (المؤقت) في الاسلام، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وإنما الخلاف بين المسلمين في نسخها أو عدمه، فذهب أهل السنة والجماعة إلى أنها منسوخة واستدلوا لذلك بعدّة روايات متعارضة فيما بينها، بينما ذهب الشيعة إلى بقاء هذا التشريع المقدس وعدم نسخه لا من القرآن ولا السنة.
وقبل التطرق الى اللأدلة نودّ القول: انّ زواج المتعة ما هو إلاّ قضية فقهية ثابتة عند قوم وغير ثابتة عند آخرين كسائر القضايا والأحكام الفقهية الأخرى التي يمكن الاختلاف فيها، فليس من الصحيح التشنيع والتشهير بالشيعة وجعل زواج المتعة أداة لذلك، فإنّ هذه الاساليب غير العلمية تكون سبباً للفرقة بين المسلمين في الوقت الذي تتركّز حاجتنا إلى لمّ الشعث ورأب الصدع ـ
ما دلّ على مشروعيتها في القرآن الكريم:
قوله تعالى: (( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة… )) (النساء:24)، فقد روي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة، منهم: عبد الله بن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، وقتادة. (أنظر تفسير الطبري، والقرطبي، وابن كثير، والكشّاف، والدرّ المنثور في تفسير الآية، وأحكام القرآن للجصّاص 2/147، وسنن البيهقي 7/ 205، وشرح مسلم للنووي 6/127، والمغني لابن قدامة 7/571).
ما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة:
أخرج البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم، عن عبد االله بن مسعود قال: (كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثمّ قرأ عبد الله (( يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لايحب المعتدين )) ). (صحيح البخاري في كتاب النكاح، وفي تفسير سورة المائدة، وصحيح مسلم كتاب النكاح، ومسند أحمد 1/420).
مضافاً إلى ذلك (الاجماع) المنقول:
نصّ على ذلك القرطبي، قال: (لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق) ثم نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكامه (تفسير القرطبي 5/132).
وكذا الطبري، فنقل عن السدّي: هذه هي المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرطف إلى أجل مسمّى (تفسير الطبري في تفسير الآية).
وعن ابن عبد البرّ في (التمهيد) : أجمعوا على أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه وأنّه نكاح إلى أجل يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما.
وما زالت متعة النساء سارية المفعول مباحة للمسلمين زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزمن أبي بكر وشطراً من خلافة عمر بن الخطاب حتى قال: ((متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما))!! 
وقد أورد مقالته هذه جمهرة من الكتاب والحفاظ في كتبهم . (أنظر تفسير الرازي 2/167، شرح معاني الآثار 374، سنن االبيهقي 7/206 بداية المجتهد 1/346، المحلّى 7/107، الدرّ المنثور 2/141 وفيّات الاعيان 5/197).
فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الاسلام، ومات النبي (صلى الله عليه وآله) وهي بعد مشرعة غير محرمة ،حتى حرّمها عمر في أيام خلافته.
أما بيان كيفية تعارض أخبار النسخ وسقوطها عن الحجية فله مجاله الخاص به. 
ودمتم سالمين

الموضوع منقول
من مركز الأبحاث العقائدية

Wednesday 2 March 2016

أقصر مناظرة بين الشيعة والسنة



أن حاكم إيران كان سني ، وكان من شاربي الخمور ، فثمل ذات يوم وطلّق زوجته ، وعندما أفاق وجد نفسه أمام الأمر الواقع ، فاستدعى علماء السنة من مختلف المذاهب لينظروا في أمره ، وعندما واجههم بالأمر ذكروا له بأن زوجته أصبحت مطلقة ، فسألهم أن يبحثوا أكثر لربما يجدوا له حلا مناسبا أكثر ويسقط الطلاق . فلما عجزوا قال له مستشاره الخاص عن مذهب الإمامية لربما يجدون له حلا عندهم .
فدعى بأحد العلماء ، وفي اليوم التالي دخل عليه العالم الشيعي وما أن وصل إلى البساط حتى أخذ بنعليه فوضعهما تحت إبطه فتعجب الحاضرون منه واحتج علماء السنة الموجودون عند ذلك الحاكم على تصرف العالم الشيعي . فقال له الحاكم : ماالذي جعلك تفعل ما فعلت!
فأجاب العالم الشيعي : سمعت بأن الشافعي على أيام الرسول ص كان يسرق أحذية الصحابة ، فقال اصحاب المذهب الشافعي : ياله من أخرق ، فوق قلة أدبه ويكذب أيضا ، فالشافعي ياجلالة الملك لم يكن في ايام الرسول ص ، فقال الشيعي : أعتذر ياحضرة الملك ، فإني قد أخطأت فقد كان ذلك مالك ، فقال أصحاب المذهب المالكي مثل ماقال أصحاب الشافعي فقال الشيعي إذن فهو أحمد بن حنبل , فاحتج اصحابه مثل الأخرين ونفوا وجود أحمد بن حنبل أيام الرسول ص ، فقال الشيعي : ( لم يبقى سوى أبو حنيفة هو الذي كان يسرق احذية الصحابة ، فقال أصحابه مثل ماقال السابقين )) عندها غضب الملك على العالم الشيعي وقال له دعوناك لحاجة فاتيتنا بمنكر ؟؟؟ !!! تبسم العالم الشيعي وقال يا جلالة الملك إن هؤلاء علماءهم لم يكونوا موجودين على أيام الرسول ص ولكن عالمنا كان موجودا ، إذهب إلى زوجتك فهي ليست مطلقة ولا يقع الطلاق إلا إذا كان الرجل سليم العقل وفي غير حالة سكر أو غضب . هدأت سورة الملك عند سماعه لهذا الكلام ، وسأله عن عالمه قال هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقد أخذ أحكامه من أبائه عن جده علي بن أبي طالب عن جده رسول الله ص عن الله تعالى .
ومنذ ذلك اليوم أصدر الملك مرسوما ملكي على درجة عالية بأن يُعامل المذهب الجعفري كسائر المذاهب السنية الأربع في المحاكم وفي الهيئات العلمية والتدريس والتشريع

مصطلحات قرآنية -الخلافة والخليفة-



مصطلح كثر تكراره في ادبيات تاريخنا الاسلامي، يعني (الحاكم).. ووفق المدرسة التي تتبنى منهج "الخلافة" في الحكم سواء جاء الحاكم عبر الانتخاب المحدود او عبر التعيين من الحاكم السابق (ولي العهد) او جاء بالفرض والقوة (الامر الواقع).. فان (الخليفة) يعتبر حاكماً شرعياً، ينبغي طاعته ومخالفته محرمة شرعاً  .
        كل ذلك في مقابل مدرسة الامامة في الحكم التي ترى ان الله لم يترك الناس دون امام ومرشد لهم في دينهم وامور ديناهم استناداً على قاعدة اللطف الالهي وهناك نصوص متواترة تشير وتشخص هذا الحاكم منها حديث الغدير.
        اذن نحن هنا امام مدرستين.. وليس فقط امم مصطلحين، هما الخلافة والامامة، في هذا العدد ستتناول مصطلح الخلافة على امل ان نبحث مصطلح الامامة في عددنا القادم.. وكل ذلك من  خلال المنظور القرآني.


الخليفة ـ قرآنياً
        عند الرجوع الى الكتاب الكريم نجد انه تم استخدام هذا المصطلح ضمن حالات متعددة ابتداءاً من المفردة (خليفة) والجمع (خلائف) ومشتقاته خلفاء، خلائف ، مستخلف، نعرض هذه الآيات كنماذج للاستخدام القرآني لهذا المصطلح:
ـ استخلف، يستخلفهم/
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} "النور/55".
{وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} "هود/57".
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ"الاعراف/29".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء} "الانعام/133"
ـ خلَف / 
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى} "الاعراف/169"
ـ خليفة/
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30"
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
ـ خلائف /
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} "الانعام/165".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}"يونس/73".
ـ خلفاء /
{وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} "الاعراف/69".
{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} "الاعراف/74".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".


الخليفة لغةً:
        من خَلف من كان قبله، وقام مقامه، وسد مسده، وتستعمل ايضاً بمعنى النيابة.
القرآن استخدم كلمة خليفة، خلفاء، خلائف، وعند الرجوع الى معجم اللغة في اكتشاف معنى الخليفة، يقول الراغب "والخلافةُ النيابةٌ عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الاخير استخلفَ الله اولياءه في الارض".

إضاءات في الاستعمال القرآني:
(ملاحظات اولية حول الاستخدام القرآني)
1ـ ان مصطلح الخليفة جاء بصيغة المفرد في القرآن بخصوص نبي الله آدم ونبي الله داود عليهما السلام، ونلاحظ من هذين الموردين.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30"
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"

2ـ يقترن مصطلح (الخلافة والخليفة) عادة بالارض، فهو خليفة في الارض وخلائف الارض، وخلفاء الارض، لاحظ الآيات القرآنية يبدو ان مصطلح الارض هنا يشمل الطبيعة أو ما يحيط بالانسان من مخلوقات مادية. لاحظ الآيات التالية:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} "الانعام/165".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".

3ـ ان (الخلافة والخليفة) اقترنت بفعل الهي عبر عنها القرآن بالجعل [جعلناكم، جعلناك، جعلكم...] بمعنى ان الاستخلاف ليست امراً تكوينياً خلقياً، وانما هي فعل الهي من باب القانون والسنة أي أمر ما بعد الخلق وبما تتطلبه الخلقة وتتوافق معه، أي انها من باب السنة الالهية التي هي قابلة للتحدي [لاحظ الشهيد الصدر في تفسيره الموضوعي وفهمه للسُنة الالهية وانواعها].
لاحظ الآيات القرآنية السابقة، ولاحظ هذه الآيات:
{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} "الاعراف/74".
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ"النور/55".
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"

4ـ استخدم القرآن مصطلح (خلفاء، خلائف) بصيغة الجمع، ويتضح فيها ان الخطاب يشمل البشرية والانسانية، وليست خاصة بفرد او بجماعة المؤمنين فقط لاحظ:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء"الانعام/133"
ويمكن ان تأتي ايضاً بصفة الجمع لكنها خاصة بجماعة المؤمنين ويفهم ذلك من السياق كما في الآيات التالية:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ"النور/55".
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ"الاعراف/29".

5ـ يستبطن مصطلح (الخليفة، الخلافة..) معنى الحكم والادارة ونجد ذلك واضحاً :
        أـ فيما وردت كلمة "الخليفة" مفردة فقد كانت خاصة بخصوص نبي الله داود، ويمكن حملها على انها خاصة بالانبياء ويأتي سؤال هل ان الخلافة من لوازم النبوة ام امر مضاف ومهمة جديدة، ومن الرجوع الى الآية نجد ان موضوع الحكم، نشأ على استقرار الخلافة وتحققها في شخص نبي الله داوود عليه السلام.
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
        ب ـ فيما ورد بخصوص الجماعة المؤمنة والصالحة وعدها الله (بالتمكين) والقدرة والسيطرة في الارض والتي يُشمُّ منها معنى الحكم والادارة والسلطة.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} "النور/55".

6ـ يستبطن ايضاً مصطلح (الخلافة والخليفة، الخلائف..) معنى الوراثة وانتقال المسؤولية والمهمة وفكرة تتابع الاجيال وتأتي خاصة عندما يكون الاستعمال القرآني عاماً والمخاطب فيه البشرية، وليس جماعة المؤمنين او خصوص الانبياء، لاحظ الآيات السابقة وهذه الآيات:
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء} "الانعام/133"

7ـ المعنى الظاهري واللغوي للخلافة هي النيابة والقيام بالمسؤولية مقام الآخر، والاستعمال القرآني لهذا المصطلح بهذا المعنى يمكن ملاحظته بخصوص الانبياء الوارد ذكرهم بالخلافة في القرآن آدم وداود عليهما السلام، ولما كان معنى استخلاف آدم لا يختص به كما هو رأي كثير من المفسرين المعروفين فيكون معنى نيابة البشرية عن الله في استخلاف الارض، او كما ورد واضحاً بخصوص الجماعة المؤمنة يكون معناه تحمُل البشرية بشكل عام والجماعة الصالحة بشكل  خاص مسؤولية النيابة عن الله في اعمار الارض وانمائها وادارتها وتطويرها، وهو معنى جميل وفيه افاق كبيرة للتفكير.
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم} "النور/55".

8ـ من ملخص الاستنتاجات السابقة يمكن ان نلخص استعمالات القرآن الكريم لمفردة الخليفة ومشتقاتها ضمن الامور التالية كما لخصها السيد محمد باقر الحكيم .
أـ الخلافة لله سبحانه في الحكم والفصل بين الخلق [ان الله قد اعطاه حق القضاء وحل الاختلافات وهو المروي عن ابن مسعود، وهو ما اختص به تعالى الانبياء والربانيين].
ب ـ الخلافة لله سبحانه في عمارة الارض واستثمارها، من انبات الزرع واخراج الثمرات.
ج ـ الخلافة لله سبحانه في العلم بالاسماء كما ذهب العلامة الطباطبائي.
د ـ الخلافة لله سبحانه في الارض بما نفخ فيه من روحه سبحانه او هبة من قوة غير محدودة، سواء في قابليتها او شهواتها او علومها، كما ذهب الى ذلك الشيخ محمد عبدة.


وجهات نظر تفسيرية
 من المفيد ان نستعرض وجهات نظر بعض المفسرين حول هذا المصطلح وما يتضمنه من مدلولات، وحدود.
ومن المفيد الاشارة الى ان مصطلح الخليفة اول ما ورد في سورة البقرة في قصة آدم، والاشكالات والتساؤلات حول ان مسؤولية الخلافة عامة لكل البشرية ام انها خاصة بآدم، ومنشأ ومبرر استخلاف الانسان ونيابته عن الله ومبرر هذا الامتياز الالهي في جعل ادم او بني ادم يتحملون مسؤولية الخلافة عن الله، بالرغم من تساؤل الملائكة عن اقتران هذه الخلافة بسفك الدماء والنساء.
  كما جاء عن الملائكة ولم يختبرهم الله ويميزهم بالنيابة مع انهم هم المسبحون والمقدسون لله.؟
ان قصة ادم وخلافته، واكتشاف اسرارها سوف ترسم لنا صورة اوضح عن مضمون مصطلح (الخلافة..) في القرآن الكريم.
كما ان شهيد المحراب يلخص الآراء المطروحة عن خلافة آدم بما يلي:
الاول: ان ادم سمي خليفة لانه خلف مخلوقات الله سبحانه الذين كانوا في الارض، وهذه المخلوقات اما ان تكون ملائكة او يكونوا من الجن الذين كانوا قد افسدوا في الارض وسفكوا الدماء كما روى عن ابن عباس او يكونوا ادميين آخرين قبل ادم هذا.
الثاني : انه سمي خليفة لانه وابناءه يخلف بعضهم بعضاً، فهم مخلوقات تتعامل وتكيف بعضها البعض الاخر، وقد نسب هذا المذهب الى الحسن البصري.
الثالث: انه سمي خليفة لانه يخلف الله سبحانه في الارض.


اولاً : تصور الشيخ محمد عبده
 اركان نظرية الشيخ محمد عبده تستند الى النقاط التالية:
ان الله سبحانه وتعالى اخبر الملائكة بالقرار الالهي في ان يجعل في الارض خليفة عنه يودع في فطرته (الارادة المطلقة) التي تجعله قادراً على التصرف حسب قدرته ومعلوماته التي لا يمكن ان تصل الى مرتبة الكمال.
وعلى اساس هذه الارادة المطلقة، وهذا العلم الناقص عرف الملائكة ان هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الارض.
وتفضل الله سبحانه على الملائكة بان اوضح لهم سر [اختيار الانسان الذي يسفك الدماء خليفة له] ببيان الحكمة في هذا الخلق فاودع في نفس ادم وفطرته "علم جميع الاشياء من غير تحديد ولا تعيين" الامر الذي جعل لادم امتيازاً خاصاً استحق به الخلافة عن الله في الارض.


ثانياً: تصور العلامة الطبطائي
        ملخص رأي العلامة في هذه النقاط:
1ـ إن خليفة الله موجود مادي مركب من القوى القطبية والشهوية، والدار دار تزاحم محدودة الجهات وافرة الزحمات، لا يمكن ان تتم فيها الحياة الا بايجار العلاقات الاجتماعية وما يستتبعها من تصادم وتضاد في المصالح والرغبات الذي يؤدي الى الفساد وسفك الدماء (موجود مادي عدواني + ضيق الارض والتزاحم + ضرورة العيش المشترك بين البشر)، كل ذلك يؤدي الى سفك الدماء.
2ـ ان الملائكة حين تعجبوا كانوا يرون ان الغاية من جعل الخلافة هي ان يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقدسيه سبحانه بوجوده، والارضية والانتماء الى الارض وشهواتها لا تدعه يفعل ذلك بل تجره الى الفساد والشر، هذا مع ان الغاية من جعل الخلافة يمكن ان تتحقق لهم، بتسبيحهم بحمد الله وتقدسيهم له .
3ـ ان ادم استحق الخلافة لقدرته على تحمل السر الذي هو عبارة عن تعلم الاسماء التي هي اشياء حية عاقلة محجوبة تحت حجاب الغيب محفوظة عند الله وقد انزل الله كل اسم في هذا العالم عبرها وببركتها، واشتق كل ما في السموات والارض من نورها وبهائها، وانهم على كثرتهم وتعددهم لا يتعددون تعدد الافراد، وانما يتكاثرون بالمراتب والدرجات.
اذن معيار ومبرر استخلاف ادم هي قدرته على الاحاطة بالاسماء التي هي مسميات لحقائق الوجود ومظهره.


ثالثاً: تصور الشهيد الصدر
يقول الشهيد الصدر تعليقاً على قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} "البقرة/30" ان الله سبحانه وتعالى شرّف الانسان بالخلافة على الارض فكان الانسان متميزاً عن كل عناصر الكون بانه خليفة الله على الارض، وبهذه الخلافة استحق ان تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور.
        والخلافة التي تتحدث عنها الآيات الشريفة ليست استخلافاً لشخص ادم بل للجنس البشري كله، لان من يفسد في الارض ويسفك الدماء وفقاً لمخاوف الملائكة ليس ادم بالذات، بل الادمية والانسانية على امتدادها التاريخي ولهذا خاطب القرآن الكريم المجتمع البشري في مراحل متعددة وذكرهم بان الله قد جعلهم خلائف في الارض، وكان ادم هو الممثل الاول لها بوصفه الانسان الاول الذي تسلم هذه الخلافة وحظي بهذا الشرف الرباني فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الارض .
اما في حديثه "رض" حول المبرر والمعيار لاتخاذ ادم وبنيه للخلافة الالهية، فهو كما يقول الشهيد الصدر:
"ان هذا الكائن الحر الذي اجتباه للخلافة قابل للتعليم والتنمية الربانية وان الله قد وضع له قانون تعامله من خلال خط اخر يجب ان يسير الى جانب خط الخلافة هو خط الشهادة الذي يمثل القيادة الربانية والتوجيه الرباني على الارض.
        ان الملائكة لاحظوا خط الخلافة بصورة منفصلة عن الخط المكمل له بالضرورة فثارت مخاوفهم، وان الخطة الربانية فكانت قد وضعت خطين جنباً الى جنب احدهما خط الخلافة، والاخر خط الشهادة الذي يجسده شهيد رباني يحمل الى الناس هدى الله ويعمل من اجل تحصينهم من الانحراف وهو الخط الذي اشار اليه القرآن الكريم في قوله :{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} "البقرة/38". .


نتائج البحث:
        ان مفهوم الخلافة (الخليفة..) ومشتقاته والتي استعملها القرآن كان محورها ادم عليه السلام، وفي هذا الاستعمال، كان واضح فيه معنى النيابة عن الله في اعمار الارض وادارتها واذا اخذنا بالرأي القائل بشمول البشرية في هذه النيابة فنحن امام مفهوم قرآني رائع وجميل ومهم وحساس في الوقت نفسه، وهي ان البشرية حملت مسؤولية الهية عبر قانون وسنة عبر عنها القرآن (بالجعل) تتعلق بالمجتمع البشري، ككل ويشير بذلك الى سعي البشرية عبر طبيعة تكوينها لاستثمار الارض واعمارها والسيطرة عليها والتمكن من ادارتها (الارض وما تحوي) عبر خط الخلافة (الذي يشير اليه الشهيد الصدر) والبشرية في هذا المجال تتوارث خيرات وتتبادل تجارب ومعلومات عبر الاجيال وعبر الاوطان والمجتمعات موضوعها خلافة الارض أي السيطرة عليها والتمكن من استثمارها واعمارها وبنائها، واذا ارادت البشرية ان تتحدى هذه السنة والقانون الالهي والجعل الرباني، فان تحدي قانون الخلافة وان كان ممكناً لكنه لفترة وزمن محدود لان الجعل الالهي وطبيعة هذه السنة التي سمحت بالتحدي لا تسمح بتحديها دائماً او تغييرها او محوها، لذا فسوف تتغلب ارادة الاعمار والسيطرة والتمكن على الارض وما يستنبطهُ معنى نيابة الله في ادارة الارض واعمارها واستثمارها ونموها، وإلا سوف يتخلب هذه السنة بانتهاء هذا المجتمع المتخلف عن النمو ليأتي مجتمعاً آخر، يسير قدماً نحو مزيد من العلم والقدرة لاستثمار الارض واعمارها، نيابة عن الله وفق مفهوم وخط الخلافة القرآنية. 
        ان مسيرة الانسانية نحو الله {يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه} وملاقاته سبحانه هي مسيرة لا تتوقف ولا تنتهي في حدود لانها تسير باتجاه العلم المطلق والقدرة المطلقة، والرحمة المطلقة والجمال المطلق، فهي مسيرة متصاعدة نامية باقية حية فاعلة، وهذا ما نجده بيتاً مجسداً في العهد الالهي والمسؤولية الالهية التي حملّها للبشرية جمعاء عبر نيابتها عن الله واستخلافها من قبله سبحانه على الارض، في حركة الانسان التاريخية نحو مزيد من العلم ومزيد من القدرة ومزيد من السعة ومزيد من الرفاه والتمكن .. وهي مسيرة انسانية تكاملية متصاعدة تضيع وتنعدم فيها فوارق الجنس واللغة والفكر والعنصر، لانها مشترك انساني عبر عنها القرآن (جعلناكم خلفاء) وذلك كاشف عن انها سُنة وقانون الهي يفرض النمو المستمر للبشرية وافرادها عبر تصاعد مسيرتها المدنية الاعمارية من خلال التجربة والعلم وتناميه.


ـ موقع العلم في خلافة البشرية:
ان الاشارة القرآنية في حوار الملائكة مع الله عن مبرر تسلم آدم وبنوه لمسؤولية الخلافة في الارض هو العلم ـ رغم ان الملائكة اكثر تسبيحاً وتقديساً، وهو امر عظيم، أي ان خلافة الارض تستلز العلم وان اعمارها وادارتها تستدعي معرفة الاشياء، والقدرة في تحصيل المزيد من العلم بالاشياء وهنا نكتة مهمة، وسواء كان العلم بالاشياء ومسمياتها، او العلم بالاسماء الخاصة على بعض التفاسير والذين يمثلون اعمدة البناء الالهي للحضارة الانسانية ومعالم مهمة في تكاملها، فان الجامع بين التفسيرين هو خصوصية البشرية في قدرتها العلمية، وكون هذه النماذج العالية المقدسة هم من البشر.


ـ الدماء ضريبة موقع الخلافة
النكتة الاخرى في هذا المفهوم وما يتضمنه مصطلح (الخلافة والخليفة ومشتقاته..) هو الفساد وسفك الدماء، واعتبرت ظاهرة الحروب والقتل والاعتداء، كأنها ظاهرة لازمة لمسيرة الخلافة في الارض، أي لازمة  لمسيرة الاعمار والنمو والسيطرة والادارة في مسيرة البشرية وتكاملها. فالاعمار والنمور وتكامل السيطرة والادارة سنة الهية، وامر ثابت وقابل للتحقق لكن يبدو أن لازمها  تحديات وعقبات تتمثل في تجاوز الفساد والمفسدين ومواجهة الظلم والتجاوز، سواء كان هذا التجاوز والعدوان من قبل البشرية على الارض (الطبيعة) او عدوان وتجاوز من قبل البشرية بعضها على بعض.
{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس}
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض }
{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}.v


 الخلافة ـ نيابة
يستبطن معنى الخلافة "النيابة، والقيام مقام بدلاً عن الاصل ... وبذلك فليس الخليفة (الانسان) هو صاحب القرار الاول في الامور، وانما له الموقع الثاني في القرار ويتحمل مسؤولية الاداء والتنفيذ وفق سياسة وتوجهات من حملّه هذه المسؤولية وهذا الموقع، والبشرية المستخلفة التي اختارها الله نيابة عنه في مسؤولية اعمار الارض ، عليها اداء هذه المسؤولية وفق الاسس والتوجهات والتعليمات والقوانين المحددة لها كي يأتي ادائها واعمارها مقبولاً وموفقاً وناجحاً، والا فان الخروج عن التعليمات والتوجهات قد تؤدي الى خراب الارض وفسادها وليس اعمارها، او يكون نموها ليس تصاعدياً حتمياً.
ان الانسان باعتباره خليفة، وخلافته تفرض عليه مسؤولية النيابة، والنيابة تلزمه باتباع برنامج وتعليمات المستخلف وهو الله تعالى.


الخلافة ـ والحاكمية:
        هل تعني الخلافة الحكم والحاكمية... والرئاسة والسيطرة والادارة؟ وبتعبير اوضح هل ان مصطلح الخلافة في القرآن هو عين مدلول الخلافة والخليفة والذي يعني الحاكم والسلطان والمسؤول التنفيذي الاول في نظام الحكم الاسلامي والذي تم انهائه وازالته بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى ومن قبل كمال اتاتورك.
        وفي معرض الاجابة على هذا التساؤل نعود الى المصحف الكريم لنجد ان هناك آيتين فقط جاءت فيها كلمة (خليفة) وتتعرض الاول لاستخلاف ادم او بنيه، ويكون المعنى الموجود في هذا المورد عن مفهوم الحاكمية والحاكم والمسؤول الاول في الادارة.
والآية الثانية تتعلق بنني الله داود عليه السلام {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"، وقد تبدو صريحة وظاهرة في الاشارة الى الخلافة وتعلق هذه الخلافة في موضوع الحكم بين الناس وان يكون ذلك وفق الحق.
        اما الآيات الاخر فكانت على نحو الجمع وبمعنى الجماعة المؤمنة، او على نحو العموم بمعنى البشرية، وقد تناولنا ذلك في البحث المتقدم.
واذا رجعنا الى الآية موضوع البحث التي تتعلق بنبي الله داود عليه السلام، وكما اشرنا فانها لم تتكرر واستخدمت لمرة واحدة، وموضوعها خاص بالنبي ومسؤولية التبليغ كمسؤولية اولى ودوره في الحكم بين الناس بالحق حين تمكنه وقدرته وتسلطه..
ولعل الآية تشير الى ان نبي الله داود قد مكنه الله في الارض وجعل له القدرة على الادارة والسيطرة فيها مما يفرض عليه تكليفاً اخر هو الحكم بين الناس بالحق وتحقيق العدل والانصاف في المجتمع، وهذا التمكن والقدرة على السيطرة والادارة وتحقق السلطة بيد النبي هو مظهر اخر لمفهوم الخليفة والاستخلاف الالهي.
        والحكم هو المظهر الابرز للخلافة ومصداقه الاوضح في الامر بالحكم بالحق، وهذا لا يعني ان الحكم هو المعنى الوحيد الاظهر لمصطلح الخليفة، فالانسان خليفة وان لم يكن حاكماً {وانفقوا بما جعلكم مستخلفين فيه} فبمقدار تمكن الانسان وقدرته على ادارة الاشياء، فهو ملزم بالانفاق فيها، وهذا هو المعنى الواسع للخلافة الانسانية على الارض، واما الحاكمية فهي مصداقه الاوضح، لكنه مصداق خاص له شروطه وظروفه، ووفق الطرح القرآني فان الحاكمية وردت وبخصوص نبي مشخص ومحدد هو (نبي الله داود) عليه السلام، اما صاحب الميزان في تفسيره فانه يطرح مفهوم الولاية الالهية كمدلول لهذه الآية الخاصة بنبي الله داود ، اما مدلول الولاية الالهية فلعلنا نوفق لمناقشتها في بحث مستقل عن مصطلح الولي والولاية قرآنياً.
ان نقطة الاستغراب في هذا الصدد هو كيف تحول مفهوم الخلافة بمعانيه الواسعة والجميلة والمهمة والحساسة في  البشرية وحركتها وتطورها والتي تمت الاشارة اليها انفاً ان الخلافة مفهوم محدد ومحدود بالحاكم الاول وما انعكس على هذا المفهوم القرآني الرائع من سلبيات بسبب اداء الحكام وظلمهم وجورهم وخروجهم على العدل والحق مما القى بظلالهِ العاتم على مفهوم الخلافة الربانية في افقها القرآني الذي يتسم بالشمولية والسعة مما يجعلنا امام مهمة تنقية هذا المصطلح وابراز معانيه المهمة والعظيمة والحساسة.
ويمكن القول ان مصطلح الخليفة المستخدم في نظام الحكم ، لم يستمد من القرآن الكريم وانما هو بمعنى القائم مقام الحاكم الاول وهو رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام، وانه يأتي من بعده ويستمد شرعيته منه وينوب عنه، فهو مفهوم لمصطلح الخليفة بمعناه اللغوي المتداول وليس مصطلحاً قرآنياً بمفاهيمه التي اشرنا لها، وبذلك يحل الاشكال والاستغراب، أي أن الحاكم هو خليفة رسول الله "ص".


الامامة والخلافة
ومن المفيد الاشارة الى نكتة قرآنية تتعلق بهذا الموضوع، وهي ان الخليفة والخلافة تأتي عادة مقيدة في الارض ويمكن مراجعة الآيات السابقة بذلك:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".
 بينما الامام والامامة تأتي مقيدة بالناس والجمهور،
 { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}"البقرة/124"، { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}"الاسراء/71"، { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} "الانبياء/73".
فالقرآن يطرح مفهومان: خلافة الارض.
ومفهوم اخر هو مفهوم امامة الناس. ولعلنا نوفق لاستعراض مفهوم الامامة قرآنياً..
كما ان القرآن يطرح مصطلح الامر، وولي الامر، والولاية كمصطلح اخر يتعلق بمسألة الحكم والارشاد ويمكن ان نوفق الى تناوله في اعدادنا القادمة انشاء الله، كي نخلص الى مقارنة بين هذه المفاهيم القرآنية ومجال استخدامها وخصوصياتها.


الارض (الطبيعة) في خدمة الانسان
        ان تمام تحقق الخلافة الانسانية في الارض يستلزم مطاوعة وقابلية الارض (الطبيعة) للسيطرة الانسانية وامكان استثمارها وتطويرها، حتى يمكن لهذه الخلافة ان تحقق مهمتها وتنجز مسؤوليتها بعد أن حُمل الانسان هذه المسؤولية ومُكن منها بقابلية العلم والقدرة، من جانب اخر فان الله اودع ايضاً امكانية التغير والتبدل والنمو والتطور في الارض (الطبيعة) وجعلها قابلة لكل ذلك من خلال الانسان، ولعل ذلك من مستلزمات نجاح الخليفة في الارض، ولذا نجد ان القرآن ركز وكرر مفهوم (التسخير) {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}"الجاثية/13"،{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ }"النحل/12"، { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}"ابراهيم/33".
        كلها تشير وتؤكد وتدعو الانسان، الخليفة، وبما يملك كي يشمر عن طاقته وقدراته لتطويع الارض وتسخيرها وجعلها في مسيرة النمو والتطور ووفق البرنامج الالهي والطبيعي (الفطري) من اجل خدمة الانسان وتكامله وتطوره، وبذلك تستكمل معادلة نجاح الخلافة، من قدرة في الفاعل "الخليفة" متمثلة بالقدرة على التعلم والعلم ومن امكانية النمو في المقابل (الارض والطبيعة) ولتكون النتيجة عمارة الارض وصلاحها، بدل فسادها وخرابها.
        ان تسخير الارض وجعلها تحت حكومة الانسان وقدرته هو مظهر بارز وجلي من الرحمة الالهية والتعبير الذي يتمظهر بحقيقة خلافة الانسان في الارض، وتمكنه من ادارتها والسيطرة عليها، ومطالبة الله الانسان بالعطاء والانفاق في خدمة المشروع الانساني يتأتى بقدر تمكن الانسان من تحقيق هذا الاستخلاف وقدرته على تسخير الارض، وكما تشير هذه الآية الكريمة {وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}..
        وفي هذا يقول الشهيد الصدر تعليقاً على قوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً} "والانسان هنا هو العام الذي يشمل الافراد جميعاً، والخلافة في الاصل هي للجماعة كلها لان هذه الخلافة عبرت عن نفسها عملياً في اعداد الله تعالى لثروات الكون ووضعها في خلافة الانسان".


الخلافة والوراثة
من خلال ملاحظة الآيات التالية ،
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى} "الاعراف/169"
{وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} "الاعراف/69".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
فان مفهوم الخلافة يتضمن معنى انتقال المسؤولية والمهمة من طرف الى اخر فهنا معنى الانتقال والاستبدال، والتعاقب، بغض النظر عن اسبابه، ولعل الابرز منها هو سُنة استمرار المسؤولية عبر سُنة تعاقب الاجيال والاعمار، ان مفهوم الوراثة، مفهوم جميل يجعل الانسانية كلها عائلة واحدة وتشدها رابطة تتناول وتتوارث فيما بينها خبراتها، مسؤولياتها، عطاءاتها، عبر التوارث وعبر الاستخلاف.
        كما ان البشرية لن تقف امام طريق مسدود بسبب تخلف جيل او قوم في عصر من العصور فهناك سُنة الاستبدال ولن تكون هناك ازمة في البشرية ولن تقف البشرية عاجزة او خاسرة في ازماتها لانه وفق سُنة الاستخلاف، وضمنها سُنة الاستبدال، وما تتضمنه سُنة الوعد الصادق بالعاقبة للمتقين، يجعل مسيرة خلافة البشرية في الارض الى الاحسن.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}"الانباء/105"


الخلافة والامانة والكرامة:
        ان استحقاقات خلافة الانسان في الارض من قبل الله، ان الله اختار الانسان من بين الخلق لتحميله هذه المسؤولية وفي ذلك تكريم وتشريف، كما ان فيها مسؤولية  حمل الامانة، التي ابت الجبال عن حملها، واشفقن منها وحملها الانسان، وهو ظالم جهول، القرآن الكريم طرح هذه المسؤولية الربانية المعهودة للانسان بصياغات متعددة ومتنوعة ومختلفة، فتارة هي امانة، وتارة هي خلافة، وتارة هي عهد وميثاق، وتارة هي صبغة وفطرة، وكلها تدور حول الانسان المسؤول المكرم والمخلوق المميز المبجل المحاسب.

Copyright @ 2013 خادم الشريعة بالدفاع عن الشيعة.

Designed by Osama | Al-Qureishy