Wednesday 2 March 2016

القراءة بشكل كامل:

مصطلحات قرآنية -الخلافة والخليفة-



مصطلح كثر تكراره في ادبيات تاريخنا الاسلامي، يعني (الحاكم).. ووفق المدرسة التي تتبنى منهج "الخلافة" في الحكم سواء جاء الحاكم عبر الانتخاب المحدود او عبر التعيين من الحاكم السابق (ولي العهد) او جاء بالفرض والقوة (الامر الواقع).. فان (الخليفة) يعتبر حاكماً شرعياً، ينبغي طاعته ومخالفته محرمة شرعاً  .
        كل ذلك في مقابل مدرسة الامامة في الحكم التي ترى ان الله لم يترك الناس دون امام ومرشد لهم في دينهم وامور ديناهم استناداً على قاعدة اللطف الالهي وهناك نصوص متواترة تشير وتشخص هذا الحاكم منها حديث الغدير.
        اذن نحن هنا امام مدرستين.. وليس فقط امم مصطلحين، هما الخلافة والامامة، في هذا العدد ستتناول مصطلح الخلافة على امل ان نبحث مصطلح الامامة في عددنا القادم.. وكل ذلك من  خلال المنظور القرآني.


الخليفة ـ قرآنياً
        عند الرجوع الى الكتاب الكريم نجد انه تم استخدام هذا المصطلح ضمن حالات متعددة ابتداءاً من المفردة (خليفة) والجمع (خلائف) ومشتقاته خلفاء، خلائف ، مستخلف، نعرض هذه الآيات كنماذج للاستخدام القرآني لهذا المصطلح:
ـ استخلف، يستخلفهم/
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} "النور/55".
{وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} "هود/57".
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ"الاعراف/29".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء} "الانعام/133"
ـ خلَف / 
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى} "الاعراف/169"
ـ خليفة/
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30"
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
ـ خلائف /
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} "الانعام/165".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}"يونس/73".
ـ خلفاء /
{وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} "الاعراف/69".
{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} "الاعراف/74".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".


الخليفة لغةً:
        من خَلف من كان قبله، وقام مقامه، وسد مسده، وتستعمل ايضاً بمعنى النيابة.
القرآن استخدم كلمة خليفة، خلفاء، خلائف، وعند الرجوع الى معجم اللغة في اكتشاف معنى الخليفة، يقول الراغب "والخلافةُ النيابةٌ عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الاخير استخلفَ الله اولياءه في الارض".

إضاءات في الاستعمال القرآني:
(ملاحظات اولية حول الاستخدام القرآني)
1ـ ان مصطلح الخليفة جاء بصيغة المفرد في القرآن بخصوص نبي الله آدم ونبي الله داود عليهما السلام، ونلاحظ من هذين الموردين.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30"
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"

2ـ يقترن مصطلح (الخلافة والخليفة) عادة بالارض، فهو خليفة في الارض وخلائف الارض، وخلفاء الارض، لاحظ الآيات القرآنية يبدو ان مصطلح الارض هنا يشمل الطبيعة أو ما يحيط بالانسان من مخلوقات مادية. لاحظ الآيات التالية:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} "الانعام/165".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".

3ـ ان (الخلافة والخليفة) اقترنت بفعل الهي عبر عنها القرآن بالجعل [جعلناكم، جعلناك، جعلكم...] بمعنى ان الاستخلاف ليست امراً تكوينياً خلقياً، وانما هي فعل الهي من باب القانون والسنة أي أمر ما بعد الخلق وبما تتطلبه الخلقة وتتوافق معه، أي انها من باب السنة الالهية التي هي قابلة للتحدي [لاحظ الشهيد الصدر في تفسيره الموضوعي وفهمه للسُنة الالهية وانواعها].
لاحظ الآيات القرآنية السابقة، ولاحظ هذه الآيات:
{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} "الاعراف/74".
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ"النور/55".
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"

4ـ استخدم القرآن مصطلح (خلفاء، خلائف) بصيغة الجمع، ويتضح فيها ان الخطاب يشمل البشرية والانسانية، وليست خاصة بفرد او بجماعة المؤمنين فقط لاحظ:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء"الانعام/133"
ويمكن ان تأتي ايضاً بصفة الجمع لكنها خاصة بجماعة المؤمنين ويفهم ذلك من السياق كما في الآيات التالية:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ"النور/55".
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ"الاعراف/29".

5ـ يستبطن مصطلح (الخليفة، الخلافة..) معنى الحكم والادارة ونجد ذلك واضحاً :
        أـ فيما وردت كلمة "الخليفة" مفردة فقد كانت خاصة بخصوص نبي الله داود، ويمكن حملها على انها خاصة بالانبياء ويأتي سؤال هل ان الخلافة من لوازم النبوة ام امر مضاف ومهمة جديدة، ومن الرجوع الى الآية نجد ان موضوع الحكم، نشأ على استقرار الخلافة وتحققها في شخص نبي الله داوود عليه السلام.
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
        ب ـ فيما ورد بخصوص الجماعة المؤمنة والصالحة وعدها الله (بالتمكين) والقدرة والسيطرة في الارض والتي يُشمُّ منها معنى الحكم والادارة والسلطة.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} "النور/55".

6ـ يستبطن ايضاً مصطلح (الخلافة والخليفة، الخلائف..) معنى الوراثة وانتقال المسؤولية والمهمة وفكرة تتابع الاجيال وتأتي خاصة عندما يكون الاستعمال القرآني عاماً والمخاطب فيه البشرية، وليس جماعة المؤمنين او خصوص الانبياء، لاحظ الآيات السابقة وهذه الآيات:
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء} "الانعام/133"

7ـ المعنى الظاهري واللغوي للخلافة هي النيابة والقيام بالمسؤولية مقام الآخر، والاستعمال القرآني لهذا المصطلح بهذا المعنى يمكن ملاحظته بخصوص الانبياء الوارد ذكرهم بالخلافة في القرآن آدم وداود عليهما السلام، ولما كان معنى استخلاف آدم لا يختص به كما هو رأي كثير من المفسرين المعروفين فيكون معنى نيابة البشرية عن الله في استخلاف الارض، او كما ورد واضحاً بخصوص الجماعة المؤمنة يكون معناه تحمُل البشرية بشكل عام والجماعة الصالحة بشكل  خاص مسؤولية النيابة عن الله في اعمار الارض وانمائها وادارتها وتطويرها، وهو معنى جميل وفيه افاق كبيرة للتفكير.
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم} "النور/55".

8ـ من ملخص الاستنتاجات السابقة يمكن ان نلخص استعمالات القرآن الكريم لمفردة الخليفة ومشتقاتها ضمن الامور التالية كما لخصها السيد محمد باقر الحكيم .
أـ الخلافة لله سبحانه في الحكم والفصل بين الخلق [ان الله قد اعطاه حق القضاء وحل الاختلافات وهو المروي عن ابن مسعود، وهو ما اختص به تعالى الانبياء والربانيين].
ب ـ الخلافة لله سبحانه في عمارة الارض واستثمارها، من انبات الزرع واخراج الثمرات.
ج ـ الخلافة لله سبحانه في العلم بالاسماء كما ذهب العلامة الطباطبائي.
د ـ الخلافة لله سبحانه في الارض بما نفخ فيه من روحه سبحانه او هبة من قوة غير محدودة، سواء في قابليتها او شهواتها او علومها، كما ذهب الى ذلك الشيخ محمد عبدة.


وجهات نظر تفسيرية
 من المفيد ان نستعرض وجهات نظر بعض المفسرين حول هذا المصطلح وما يتضمنه من مدلولات، وحدود.
ومن المفيد الاشارة الى ان مصطلح الخليفة اول ما ورد في سورة البقرة في قصة آدم، والاشكالات والتساؤلات حول ان مسؤولية الخلافة عامة لكل البشرية ام انها خاصة بآدم، ومنشأ ومبرر استخلاف الانسان ونيابته عن الله ومبرر هذا الامتياز الالهي في جعل ادم او بني ادم يتحملون مسؤولية الخلافة عن الله، بالرغم من تساؤل الملائكة عن اقتران هذه الخلافة بسفك الدماء والنساء.
  كما جاء عن الملائكة ولم يختبرهم الله ويميزهم بالنيابة مع انهم هم المسبحون والمقدسون لله.؟
ان قصة ادم وخلافته، واكتشاف اسرارها سوف ترسم لنا صورة اوضح عن مضمون مصطلح (الخلافة..) في القرآن الكريم.
كما ان شهيد المحراب يلخص الآراء المطروحة عن خلافة آدم بما يلي:
الاول: ان ادم سمي خليفة لانه خلف مخلوقات الله سبحانه الذين كانوا في الارض، وهذه المخلوقات اما ان تكون ملائكة او يكونوا من الجن الذين كانوا قد افسدوا في الارض وسفكوا الدماء كما روى عن ابن عباس او يكونوا ادميين آخرين قبل ادم هذا.
الثاني : انه سمي خليفة لانه وابناءه يخلف بعضهم بعضاً، فهم مخلوقات تتعامل وتكيف بعضها البعض الاخر، وقد نسب هذا المذهب الى الحسن البصري.
الثالث: انه سمي خليفة لانه يخلف الله سبحانه في الارض.


اولاً : تصور الشيخ محمد عبده
 اركان نظرية الشيخ محمد عبده تستند الى النقاط التالية:
ان الله سبحانه وتعالى اخبر الملائكة بالقرار الالهي في ان يجعل في الارض خليفة عنه يودع في فطرته (الارادة المطلقة) التي تجعله قادراً على التصرف حسب قدرته ومعلوماته التي لا يمكن ان تصل الى مرتبة الكمال.
وعلى اساس هذه الارادة المطلقة، وهذا العلم الناقص عرف الملائكة ان هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الارض.
وتفضل الله سبحانه على الملائكة بان اوضح لهم سر [اختيار الانسان الذي يسفك الدماء خليفة له] ببيان الحكمة في هذا الخلق فاودع في نفس ادم وفطرته "علم جميع الاشياء من غير تحديد ولا تعيين" الامر الذي جعل لادم امتيازاً خاصاً استحق به الخلافة عن الله في الارض.


ثانياً: تصور العلامة الطبطائي
        ملخص رأي العلامة في هذه النقاط:
1ـ إن خليفة الله موجود مادي مركب من القوى القطبية والشهوية، والدار دار تزاحم محدودة الجهات وافرة الزحمات، لا يمكن ان تتم فيها الحياة الا بايجار العلاقات الاجتماعية وما يستتبعها من تصادم وتضاد في المصالح والرغبات الذي يؤدي الى الفساد وسفك الدماء (موجود مادي عدواني + ضيق الارض والتزاحم + ضرورة العيش المشترك بين البشر)، كل ذلك يؤدي الى سفك الدماء.
2ـ ان الملائكة حين تعجبوا كانوا يرون ان الغاية من جعل الخلافة هي ان يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقدسيه سبحانه بوجوده، والارضية والانتماء الى الارض وشهواتها لا تدعه يفعل ذلك بل تجره الى الفساد والشر، هذا مع ان الغاية من جعل الخلافة يمكن ان تتحقق لهم، بتسبيحهم بحمد الله وتقدسيهم له .
3ـ ان ادم استحق الخلافة لقدرته على تحمل السر الذي هو عبارة عن تعلم الاسماء التي هي اشياء حية عاقلة محجوبة تحت حجاب الغيب محفوظة عند الله وقد انزل الله كل اسم في هذا العالم عبرها وببركتها، واشتق كل ما في السموات والارض من نورها وبهائها، وانهم على كثرتهم وتعددهم لا يتعددون تعدد الافراد، وانما يتكاثرون بالمراتب والدرجات.
اذن معيار ومبرر استخلاف ادم هي قدرته على الاحاطة بالاسماء التي هي مسميات لحقائق الوجود ومظهره.


ثالثاً: تصور الشهيد الصدر
يقول الشهيد الصدر تعليقاً على قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} "البقرة/30" ان الله سبحانه وتعالى شرّف الانسان بالخلافة على الارض فكان الانسان متميزاً عن كل عناصر الكون بانه خليفة الله على الارض، وبهذه الخلافة استحق ان تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور.
        والخلافة التي تتحدث عنها الآيات الشريفة ليست استخلافاً لشخص ادم بل للجنس البشري كله، لان من يفسد في الارض ويسفك الدماء وفقاً لمخاوف الملائكة ليس ادم بالذات، بل الادمية والانسانية على امتدادها التاريخي ولهذا خاطب القرآن الكريم المجتمع البشري في مراحل متعددة وذكرهم بان الله قد جعلهم خلائف في الارض، وكان ادم هو الممثل الاول لها بوصفه الانسان الاول الذي تسلم هذه الخلافة وحظي بهذا الشرف الرباني فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الارض .
اما في حديثه "رض" حول المبرر والمعيار لاتخاذ ادم وبنيه للخلافة الالهية، فهو كما يقول الشهيد الصدر:
"ان هذا الكائن الحر الذي اجتباه للخلافة قابل للتعليم والتنمية الربانية وان الله قد وضع له قانون تعامله من خلال خط اخر يجب ان يسير الى جانب خط الخلافة هو خط الشهادة الذي يمثل القيادة الربانية والتوجيه الرباني على الارض.
        ان الملائكة لاحظوا خط الخلافة بصورة منفصلة عن الخط المكمل له بالضرورة فثارت مخاوفهم، وان الخطة الربانية فكانت قد وضعت خطين جنباً الى جنب احدهما خط الخلافة، والاخر خط الشهادة الذي يجسده شهيد رباني يحمل الى الناس هدى الله ويعمل من اجل تحصينهم من الانحراف وهو الخط الذي اشار اليه القرآن الكريم في قوله :{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} "البقرة/38". .


نتائج البحث:
        ان مفهوم الخلافة (الخليفة..) ومشتقاته والتي استعملها القرآن كان محورها ادم عليه السلام، وفي هذا الاستعمال، كان واضح فيه معنى النيابة عن الله في اعمار الارض وادارتها واذا اخذنا بالرأي القائل بشمول البشرية في هذه النيابة فنحن امام مفهوم قرآني رائع وجميل ومهم وحساس في الوقت نفسه، وهي ان البشرية حملت مسؤولية الهية عبر قانون وسنة عبر عنها القرآن (بالجعل) تتعلق بالمجتمع البشري، ككل ويشير بذلك الى سعي البشرية عبر طبيعة تكوينها لاستثمار الارض واعمارها والسيطرة عليها والتمكن من ادارتها (الارض وما تحوي) عبر خط الخلافة (الذي يشير اليه الشهيد الصدر) والبشرية في هذا المجال تتوارث خيرات وتتبادل تجارب ومعلومات عبر الاجيال وعبر الاوطان والمجتمعات موضوعها خلافة الارض أي السيطرة عليها والتمكن من استثمارها واعمارها وبنائها، واذا ارادت البشرية ان تتحدى هذه السنة والقانون الالهي والجعل الرباني، فان تحدي قانون الخلافة وان كان ممكناً لكنه لفترة وزمن محدود لان الجعل الالهي وطبيعة هذه السنة التي سمحت بالتحدي لا تسمح بتحديها دائماً او تغييرها او محوها، لذا فسوف تتغلب ارادة الاعمار والسيطرة والتمكن على الارض وما يستنبطهُ معنى نيابة الله في ادارة الارض واعمارها واستثمارها ونموها، وإلا سوف يتخلب هذه السنة بانتهاء هذا المجتمع المتخلف عن النمو ليأتي مجتمعاً آخر، يسير قدماً نحو مزيد من العلم والقدرة لاستثمار الارض واعمارها، نيابة عن الله وفق مفهوم وخط الخلافة القرآنية. 
        ان مسيرة الانسانية نحو الله {يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه} وملاقاته سبحانه هي مسيرة لا تتوقف ولا تنتهي في حدود لانها تسير باتجاه العلم المطلق والقدرة المطلقة، والرحمة المطلقة والجمال المطلق، فهي مسيرة متصاعدة نامية باقية حية فاعلة، وهذا ما نجده بيتاً مجسداً في العهد الالهي والمسؤولية الالهية التي حملّها للبشرية جمعاء عبر نيابتها عن الله واستخلافها من قبله سبحانه على الارض، في حركة الانسان التاريخية نحو مزيد من العلم ومزيد من القدرة ومزيد من السعة ومزيد من الرفاه والتمكن .. وهي مسيرة انسانية تكاملية متصاعدة تضيع وتنعدم فيها فوارق الجنس واللغة والفكر والعنصر، لانها مشترك انساني عبر عنها القرآن (جعلناكم خلفاء) وذلك كاشف عن انها سُنة وقانون الهي يفرض النمو المستمر للبشرية وافرادها عبر تصاعد مسيرتها المدنية الاعمارية من خلال التجربة والعلم وتناميه.


ـ موقع العلم في خلافة البشرية:
ان الاشارة القرآنية في حوار الملائكة مع الله عن مبرر تسلم آدم وبنوه لمسؤولية الخلافة في الارض هو العلم ـ رغم ان الملائكة اكثر تسبيحاً وتقديساً، وهو امر عظيم، أي ان خلافة الارض تستلز العلم وان اعمارها وادارتها تستدعي معرفة الاشياء، والقدرة في تحصيل المزيد من العلم بالاشياء وهنا نكتة مهمة، وسواء كان العلم بالاشياء ومسمياتها، او العلم بالاسماء الخاصة على بعض التفاسير والذين يمثلون اعمدة البناء الالهي للحضارة الانسانية ومعالم مهمة في تكاملها، فان الجامع بين التفسيرين هو خصوصية البشرية في قدرتها العلمية، وكون هذه النماذج العالية المقدسة هم من البشر.


ـ الدماء ضريبة موقع الخلافة
النكتة الاخرى في هذا المفهوم وما يتضمنه مصطلح (الخلافة والخليفة ومشتقاته..) هو الفساد وسفك الدماء، واعتبرت ظاهرة الحروب والقتل والاعتداء، كأنها ظاهرة لازمة لمسيرة الخلافة في الارض، أي لازمة  لمسيرة الاعمار والنمو والسيطرة والادارة في مسيرة البشرية وتكاملها. فالاعمار والنمور وتكامل السيطرة والادارة سنة الهية، وامر ثابت وقابل للتحقق لكن يبدو أن لازمها  تحديات وعقبات تتمثل في تجاوز الفساد والمفسدين ومواجهة الظلم والتجاوز، سواء كان هذا التجاوز والعدوان من قبل البشرية على الارض (الطبيعة) او عدوان وتجاوز من قبل البشرية بعضها على بعض.
{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس}
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض }
{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}.v


 الخلافة ـ نيابة
يستبطن معنى الخلافة "النيابة، والقيام مقام بدلاً عن الاصل ... وبذلك فليس الخليفة (الانسان) هو صاحب القرار الاول في الامور، وانما له الموقع الثاني في القرار ويتحمل مسؤولية الاداء والتنفيذ وفق سياسة وتوجهات من حملّه هذه المسؤولية وهذا الموقع، والبشرية المستخلفة التي اختارها الله نيابة عنه في مسؤولية اعمار الارض ، عليها اداء هذه المسؤولية وفق الاسس والتوجهات والتعليمات والقوانين المحددة لها كي يأتي ادائها واعمارها مقبولاً وموفقاً وناجحاً، والا فان الخروج عن التعليمات والتوجهات قد تؤدي الى خراب الارض وفسادها وليس اعمارها، او يكون نموها ليس تصاعدياً حتمياً.
ان الانسان باعتباره خليفة، وخلافته تفرض عليه مسؤولية النيابة، والنيابة تلزمه باتباع برنامج وتعليمات المستخلف وهو الله تعالى.


الخلافة ـ والحاكمية:
        هل تعني الخلافة الحكم والحاكمية... والرئاسة والسيطرة والادارة؟ وبتعبير اوضح هل ان مصطلح الخلافة في القرآن هو عين مدلول الخلافة والخليفة والذي يعني الحاكم والسلطان والمسؤول التنفيذي الاول في نظام الحكم الاسلامي والذي تم انهائه وازالته بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى ومن قبل كمال اتاتورك.
        وفي معرض الاجابة على هذا التساؤل نعود الى المصحف الكريم لنجد ان هناك آيتين فقط جاءت فيها كلمة (خليفة) وتتعرض الاول لاستخلاف ادم او بنيه، ويكون المعنى الموجود في هذا المورد عن مفهوم الحاكمية والحاكم والمسؤول الاول في الادارة.
والآية الثانية تتعلق بنني الله داود عليه السلام {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"، وقد تبدو صريحة وظاهرة في الاشارة الى الخلافة وتعلق هذه الخلافة في موضوع الحكم بين الناس وان يكون ذلك وفق الحق.
        اما الآيات الاخر فكانت على نحو الجمع وبمعنى الجماعة المؤمنة، او على نحو العموم بمعنى البشرية، وقد تناولنا ذلك في البحث المتقدم.
واذا رجعنا الى الآية موضوع البحث التي تتعلق بنبي الله داود عليه السلام، وكما اشرنا فانها لم تتكرر واستخدمت لمرة واحدة، وموضوعها خاص بالنبي ومسؤولية التبليغ كمسؤولية اولى ودوره في الحكم بين الناس بالحق حين تمكنه وقدرته وتسلطه..
ولعل الآية تشير الى ان نبي الله داود قد مكنه الله في الارض وجعل له القدرة على الادارة والسيطرة فيها مما يفرض عليه تكليفاً اخر هو الحكم بين الناس بالحق وتحقيق العدل والانصاف في المجتمع، وهذا التمكن والقدرة على السيطرة والادارة وتحقق السلطة بيد النبي هو مظهر اخر لمفهوم الخليفة والاستخلاف الالهي.
        والحكم هو المظهر الابرز للخلافة ومصداقه الاوضح في الامر بالحكم بالحق، وهذا لا يعني ان الحكم هو المعنى الوحيد الاظهر لمصطلح الخليفة، فالانسان خليفة وان لم يكن حاكماً {وانفقوا بما جعلكم مستخلفين فيه} فبمقدار تمكن الانسان وقدرته على ادارة الاشياء، فهو ملزم بالانفاق فيها، وهذا هو المعنى الواسع للخلافة الانسانية على الارض، واما الحاكمية فهي مصداقه الاوضح، لكنه مصداق خاص له شروطه وظروفه، ووفق الطرح القرآني فان الحاكمية وردت وبخصوص نبي مشخص ومحدد هو (نبي الله داود) عليه السلام، اما صاحب الميزان في تفسيره فانه يطرح مفهوم الولاية الالهية كمدلول لهذه الآية الخاصة بنبي الله داود ، اما مدلول الولاية الالهية فلعلنا نوفق لمناقشتها في بحث مستقل عن مصطلح الولي والولاية قرآنياً.
ان نقطة الاستغراب في هذا الصدد هو كيف تحول مفهوم الخلافة بمعانيه الواسعة والجميلة والمهمة والحساسة في  البشرية وحركتها وتطورها والتي تمت الاشارة اليها انفاً ان الخلافة مفهوم محدد ومحدود بالحاكم الاول وما انعكس على هذا المفهوم القرآني الرائع من سلبيات بسبب اداء الحكام وظلمهم وجورهم وخروجهم على العدل والحق مما القى بظلالهِ العاتم على مفهوم الخلافة الربانية في افقها القرآني الذي يتسم بالشمولية والسعة مما يجعلنا امام مهمة تنقية هذا المصطلح وابراز معانيه المهمة والعظيمة والحساسة.
ويمكن القول ان مصطلح الخليفة المستخدم في نظام الحكم ، لم يستمد من القرآن الكريم وانما هو بمعنى القائم مقام الحاكم الاول وهو رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام، وانه يأتي من بعده ويستمد شرعيته منه وينوب عنه، فهو مفهوم لمصطلح الخليفة بمعناه اللغوي المتداول وليس مصطلحاً قرآنياً بمفاهيمه التي اشرنا لها، وبذلك يحل الاشكال والاستغراب، أي أن الحاكم هو خليفة رسول الله "ص".


الامامة والخلافة
ومن المفيد الاشارة الى نكتة قرآنية تتعلق بهذا الموضوع، وهي ان الخليفة والخلافة تأتي عادة مقيدة في الارض ويمكن مراجعة الآيات السابقة بذلك:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} "ص/26"
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}"فاطر/39".
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ}"النمل/62".
 بينما الامام والامامة تأتي مقيدة بالناس والجمهور،
 { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}"البقرة/124"، { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}"الاسراء/71"، { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} "الانبياء/73".
فالقرآن يطرح مفهومان: خلافة الارض.
ومفهوم اخر هو مفهوم امامة الناس. ولعلنا نوفق لاستعراض مفهوم الامامة قرآنياً..
كما ان القرآن يطرح مصطلح الامر، وولي الامر، والولاية كمصطلح اخر يتعلق بمسألة الحكم والارشاد ويمكن ان نوفق الى تناوله في اعدادنا القادمة انشاء الله، كي نخلص الى مقارنة بين هذه المفاهيم القرآنية ومجال استخدامها وخصوصياتها.


الارض (الطبيعة) في خدمة الانسان
        ان تمام تحقق الخلافة الانسانية في الارض يستلزم مطاوعة وقابلية الارض (الطبيعة) للسيطرة الانسانية وامكان استثمارها وتطويرها، حتى يمكن لهذه الخلافة ان تحقق مهمتها وتنجز مسؤوليتها بعد أن حُمل الانسان هذه المسؤولية ومُكن منها بقابلية العلم والقدرة، من جانب اخر فان الله اودع ايضاً امكانية التغير والتبدل والنمو والتطور في الارض (الطبيعة) وجعلها قابلة لكل ذلك من خلال الانسان، ولعل ذلك من مستلزمات نجاح الخليفة في الارض، ولذا نجد ان القرآن ركز وكرر مفهوم (التسخير) {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}"الجاثية/13"،{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ }"النحل/12"، { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}"ابراهيم/33".
        كلها تشير وتؤكد وتدعو الانسان، الخليفة، وبما يملك كي يشمر عن طاقته وقدراته لتطويع الارض وتسخيرها وجعلها في مسيرة النمو والتطور ووفق البرنامج الالهي والطبيعي (الفطري) من اجل خدمة الانسان وتكامله وتطوره، وبذلك تستكمل معادلة نجاح الخلافة، من قدرة في الفاعل "الخليفة" متمثلة بالقدرة على التعلم والعلم ومن امكانية النمو في المقابل (الارض والطبيعة) ولتكون النتيجة عمارة الارض وصلاحها، بدل فسادها وخرابها.
        ان تسخير الارض وجعلها تحت حكومة الانسان وقدرته هو مظهر بارز وجلي من الرحمة الالهية والتعبير الذي يتمظهر بحقيقة خلافة الانسان في الارض، وتمكنه من ادارتها والسيطرة عليها، ومطالبة الله الانسان بالعطاء والانفاق في خدمة المشروع الانساني يتأتى بقدر تمكن الانسان من تحقيق هذا الاستخلاف وقدرته على تسخير الارض، وكما تشير هذه الآية الكريمة {وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}..
        وفي هذا يقول الشهيد الصدر تعليقاً على قوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً} "والانسان هنا هو العام الذي يشمل الافراد جميعاً، والخلافة في الاصل هي للجماعة كلها لان هذه الخلافة عبرت عن نفسها عملياً في اعداد الله تعالى لثروات الكون ووضعها في خلافة الانسان".


الخلافة والوراثة
من خلال ملاحظة الآيات التالية ،
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى} "الاعراف/169"
{وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} "الاعراف/69".
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} "يونس/14".
فان مفهوم الخلافة يتضمن معنى انتقال المسؤولية والمهمة من طرف الى اخر فهنا معنى الانتقال والاستبدال، والتعاقب، بغض النظر عن اسبابه، ولعل الابرز منها هو سُنة استمرار المسؤولية عبر سُنة تعاقب الاجيال والاعمار، ان مفهوم الوراثة، مفهوم جميل يجعل الانسانية كلها عائلة واحدة وتشدها رابطة تتناول وتتوارث فيما بينها خبراتها، مسؤولياتها، عطاءاتها، عبر التوارث وعبر الاستخلاف.
        كما ان البشرية لن تقف امام طريق مسدود بسبب تخلف جيل او قوم في عصر من العصور فهناك سُنة الاستبدال ولن تكون هناك ازمة في البشرية ولن تقف البشرية عاجزة او خاسرة في ازماتها لانه وفق سُنة الاستخلاف، وضمنها سُنة الاستبدال، وما تتضمنه سُنة الوعد الصادق بالعاقبة للمتقين، يجعل مسيرة خلافة البشرية في الارض الى الاحسن.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}"الانباء/105"


الخلافة والامانة والكرامة:
        ان استحقاقات خلافة الانسان في الارض من قبل الله، ان الله اختار الانسان من بين الخلق لتحميله هذه المسؤولية وفي ذلك تكريم وتشريف، كما ان فيها مسؤولية  حمل الامانة، التي ابت الجبال عن حملها، واشفقن منها وحملها الانسان، وهو ظالم جهول، القرآن الكريم طرح هذه المسؤولية الربانية المعهودة للانسان بصياغات متعددة ومتنوعة ومختلفة، فتارة هي امانة، وتارة هي خلافة، وتارة هي عهد وميثاق، وتارة هي صبغة وفطرة، وكلها تدور حول الانسان المسؤول المكرم والمخلوق المميز المبجل المحاسب.

1 comments:

  1. The Most Iconic Video Slots On The Planet - Jancasino
    The herzamanindir.com/ most iconic video slot is the 7,800-calibre slot machine septcasino.com called Sweet Bonanza. This slot machine deccasino was developed ventureberg.com/ in 2011, developed in the same studio jancasino.com by

    ReplyDelete

Copyright @ 2013 خادم الشريعة بالدفاع عن الشيعة.

Designed by Osama | Al-Qureishy